[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٤]
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالباً أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإِعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإِنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر فإن الله الغني.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦)
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم. بِالْبَيِّناتِ بالحجج والمعجزات.
وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ ليبين الحق ويميز صواب العمل. وَالْمِيزانَ لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده، وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام، ويجوز أن يراد به العدل. لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال:
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ فإن آلات الحروب متخذة منه. وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ إذ ما من صنعة إلا والحديد آلاتها. وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلاً، أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله. بِالْغَيْبِ حال من المستكن في ينصره. إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ، على إهلاك من أراد إهلاكه. عَزِيزٌ لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب.
وقيل المراد الكتاب الخط. فَمِنْهُمْ فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم أَرْسَلْنا. مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن السنن المقابلة للمبالغة في الذم والدلالة على أن الغلبة للضلال.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٧]
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧)
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أي أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى عليه السلام، والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم، أو من عاصرهما من الرسل لا للذرية، فإن الرسل الملقى بهم من الذرية. وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وقرئ بفتح الهمزة وأمره أهون من أمر البرطيل لأنه أعجمي. وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وقرئ «رآفة» على فعالة. وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، أو رهبانية مبتدعة على أنها من المجعولات وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس، منسوبة إلى الرهبان وهو المبالغ في الخوف من رهب كالخشيان من خشي، وقرئت بالضم كأنها منسوبة إلى الرهبان وهو جمع راهب كراكب وركبان. مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ما فرضناها عليهم.
إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ. وقيل متصل فإن مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ بمعنى ما تعبدناهم بها وهو كما ينفي الإِيجاب المقصود منه دفع العقاب ينفي الندب المقصود منه