أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ جملة شرطية معطوفة على محذوف دل عليه الكلام تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه، فكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإِنكار والاستبعاد، ووضع مَنْ فِي النَّارِ موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه، وأن اجتهاد الرسل في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار، ويجوز أن يكون أَفَأَنْتَ تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والإشعار بالجزاء المحذوف.
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ علالي بعضها فوق بعض. مَبْنِيَّةٌ بنيت بناء النازل على الأرض. تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي من تحت تلك الغرف. وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد لأن قوله لَهُمْ غُرَفٌ في معنى الوعد. لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ ولأن الخلف نقص وهو على الله محال.
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢١]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء هو المطر. فَسَلَكَهُ فأدخله. يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ هي عيون ومجاري كائنة فيها، أو مياه نابعات فيها إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع فنصبها على الظرف أو الحال. ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أصنافه من بر وشعير وغيرهما، أو كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما. ثُمَّ يَهِيجُ يتم جفافه لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منبته. فَتَراهُ مُصْفَرًّا من يبسه. ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً فتاتاً. إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لتذاكيراً بأنه لا بد من صانع حكيم دبره وسواه، أو بأنه مثل الحياة الدنيا فلا تغتر بها. لِأُولِي الْأَلْبابِ إِذْ لاَ يَتَذكر به غيرهم.
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢٢]
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ حتى تمكن فيه بيسر عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه من حيث أن الصدر محل القلب المنبع للروح المتعلق للنفس القابلة للإِسلام. فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ يعني المعرفة والاهتداء إلى الحق.
وعنه عليه الصلاة والسلام «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، فقيل فما علامة ذلك قال: الإِنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله».
وخبر مِنْ محذوف دل عليه فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ من أجل ذكره وهو أبلغ من أن يكون عن مكان من، لأن القاسي من أجل الشيء أشد تأبياً عن قبوله من القاسي عنه لسبب آخر، وللمبالغة في وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بامتناع ذكر شرح الصدر وأسنده إلى الله وقابله بقساوة القلب وأسنده إليه. أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يظهر للناظر بأدنى نظر، والآية نزلت في حمزة وعلي وأبي لهب وولده.
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢٣]
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يعني القرآن،
روي أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له حدثنا فنزلت.
وفي الابتداء باسم الله وبناء نزل عليه تأكيد للإسناد إليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه. كِتاباً