يخبر تعالى أنه طرد من رحمته الكافرين من بني إسرائيل في الكتاب الذي أنزله على داود -عليه السلام- وهو الزَّبور، وفي الكتاب الذي أنزله على عيسى - عليه السلام - وهو الإنجيل; بسبب عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله.
كان هؤلاء اليهود يُجاهرون بالمعاصي ويرضونها، ولا يَنْهى بعضُهم بعضًا عن أيِّ منكر فعلوه، وهذا من أفعالهم السيئة، وبه استحقوا أن يُطْرَدُوا من رحمة الله تعالى.
تَرَى -أيها الرسول- كثيرًا من هؤلاء اليهود يتخذون المشركين أولياء لهم، ساء ما عملوه من الموالاة التي كانت سببًا في غضب الله عليهم، وخلودهم في عذاب الله يوم القيامة.
ولو أن هؤلاء اليهود الذين يناصرون المشركين كانوا قد آمنوا بالله تعالى والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأقرُّوا بما أنزل إليه -وهو القرآن الكريم- ما اتخذوا الكفار أصحابًا وأنصارًا، ولكن كثيرًا منهم خارجون عن طاعة الله ورسوله.
لتجدنَّ -أيها الرسول- أشدَّ الناس عداوة للذين صدَّقوك وآمنوا بك واتبعوك، اليهودَ; لعنادهم، وجحودهم، وغمطهم الحق، والذين أشركوا مع الله غيره، كعبدة الأوثان وغيرهم، ولتجدنَّ أقربهم مودة للمسلمين الذين قالوا: إنا نصارى، ذلك بأن منهم علماء بدينهم متزهدين وعبَّادًا في الصوامع متنسكين، وأنهم متواضعون لا يستكبرون عن قَبول الحق، وهؤلاء هم الذين قبلوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بها.
ومما يدل على قرب مودتهم للمسلمين أن فريقًا منهم (وهم وفد الحبشة لما سمعوا القرآن) فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه حقٌّ منزل من عند الله تعالى، وصدَّقوا بالله واتبعوا رسوله، وتضرعوا إلى الله أن يكرمهم بشرف الشهادة مع أمَّة محمد عليه السلام على الأمم يوم القيامة.