قال الله يا موسى: إني اخترتك على الناس برسالاتي إلى خلقي الذين أرسلتك إليهم وبكلامي إياك مِن غير وساطة، فخذ ما أعطيتك مِن أمري ونهيي، وتمسَّك به، واعمل به، وكن من الشاكرين لله تعالى على ما آتاك من رسالته، وخصَّك بكلامه.
وكتبنا لموسى في التوراة من كل ما يحتاج إليه في دينه من الأحكام، موعظة للازدجار والاعتبار وتفصيلا لتكاليف الحلال والحرام والأمر والنهي والقصص والعقائد والأخبار والمغيبات، قال الله له: فخذها بقوة، أي: خذ التوراة بجد واجتهاد، وأمر قومك يعملوا بما شرع الله فيها; فإن مَن أشرك منهم ومِن غيرهم فإني سأريه في الآخرة دار الفاسقين، وهي نار الله التي أعدَّها لأعدائه الخارجين عن طاعته.
سأصرف عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، والمتكبرين على الناس بغير الحق، فلا يتبعون نبيًا ولا يصغون إليه لتكبرهم، وإنْ يَرَ هؤلاء المتكبرون عن الإيمان كل آية لا يؤمنوا بها لإعراضهم ومحادَّتهم لله ورسوله، وإن يروا طريق الصلاح لا يتخذوه طريقًا، وإن يروا طريق الضلال، أي الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا; وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالاتها.
والذين كذَّبوا بآيات الله وحججه وبلقاء الله في الآخرة حبطت أعمالهم; بسبب فَقْدِ شرطها، وهو الإيمان بالله والتصديق بجزائه، ما يجزون في الآخرة إلا جزاء ما كانوا يعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي، وهو الخلود في النار.
واتخذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضيًا لمناجاة ربه معبودًا مِن ذهبهم عِجلا جسدًا بلا روح، له صوت، ألم يعلموا أنه لا يكلمهم، ولا يرشدهم إلى خير؟ أَقْدَمُوا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع، وكانوا ظالمين لأنفسهم واضعين الشيء في غير موضعه.
ولما ندم الذين عبدوا العجل مِن دون الله عند رجوع موسى إليهم، ورأوا أنهم قد ضلُّوا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله، أخذوا في الإقرار بالعبودية والاستغفار، فقالوا: لئن لم يرحمنا ربنا بقَبول توبتنا، ويستر بها ذنوبنا، لنكونن من الهالكين الذين ذهبت أعمالهم.