يا أيها النبي قل لمن أسرتموهم في «بدر» : لا تأسوا على الفداء الذي أخذ منكم، إن يعلم الله تعالى في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أُخذ منكم من المال بأن يُيَسِّر لكم من فضله خيرًا كثيرًا -وقد أنجز الله وعده للعباس رضي الله عنه وغيره-، ويغفر لكم ذنوبكم. والله سبحانه غفور لذنوب عباده إذا تابوا، رحيم بهم.
وإن يرد الذين أَطْلَقْتَ صراحهم -أيها النبي- من الأسرى الغدر بك مرة أخرى فلا تَيْئسْ، فقد خانوا الله من قبل وحاربوك، فنصرك الله عليهم. والله عليم بما تنطوي عليه الصدور، حكيم في تدبير شؤون عباده.
إن الذين صدَّقوا الله، ورسوله وعملوا بشرعه، وهاجروا إلى دار الإسلام، أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس، والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم، وواسوهم بأموالهم، ونصروا دين الله، أولئك بعضهم نصراء بعض. أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم ونصرتهم حتى يهاجروا، وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا نصرتكم فاستجيبوا لهم، إلا على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد لم ينقضوه. والله بصير بأعمالكم، يجزي كلا على قدر نيته وعمله.
والذين كفروا بعضهم نصراء بعض، وإن لم تكونوا -أيها المؤمنون- نصراء بعض تكن في الأرض فتنة للمؤمنين عن دين الله، وفساد عريض بالصد عن سبيل الله وتقوية دعائم الكفر.
والذين آمنوا بالله ورسوله، وتركوا ديارهم قاصدين دار الإسلام أو بلدًا يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا لإعلاء كلمة الله، والذين نصروا إخوانهم المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد، أولئك هم المؤمنون الصادقون حقًا، لهم مغفرة لذنوبهم، ورزق كريم واسع في جنات النعيم.
والذين آمنوا مِن بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار، وهاجروا وجاهدوا معكم في سبيل الله، فأولئك منكم -أيها المؤمنون- لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وأولو القرابة بعضهم أولى ببعض في التوارث في حكم الله من عامة المسلمين. إن الله بكل شيء عليم يعلم ما يصلح عباده مِن توريث بعضهم من بعض في القرابة والنسب دون التوارث بالحِلْف، وغير ذلك مما كان في أول الإسلام.


الصفحة التالية
Icon