ولما سمع الرسل ما قاله أقوامهم قالوا لهم: حقًا ما نحن إلا بشر مثلكم كما قلتم، ولكن الله يتفضل بإنعامه على مَن يشاء من عباده فيصطفيهم لرسالته، وما طلبتم من البرهان المبين، فلا يمكن لنا ولا نستطيع أن نأتيكم به إلا بإذن الله وتوفيقه، وعلى الله وحده يعتمد المؤمنون في كل أمورهم.
وكيف لا نعتمد على الله، وهو الذي أرشدنا إلى طريق النجاة من عذابه باتباع أحكام دينه؟ ولنصبرنَّ على إيذائكم لنا بالكلام السيئ وغيره، وعلى الله وحده يجب أن يعتمد المؤمنون في نصرهم، وهزيمة أعدائهم.
وضاقت صدور الكفار مما قاله الرسل فقالوا لهم: لنطردنكم من بلادنا حتى تعودوا إلى ديننا، فأوحى الله إلى رسله أنه سيهلك الجاحدين الذين كفروا به وبرسله.
ولنجعلن العاقبة الحسنة للرسل وأتباعهم بإسكانهم أرض الكافرين بعد إهلاكهم، ذلك الإهلاك للكفار، وإسكان المؤمنين أرضهم أمر مؤكد لمن خاف مقامه بين يديَّ يوم القيامة، وخشي وعيدي وعذابي.
ولجأ الرسل إلى ربهم وسألوه النصر على أعدائهم والحكم بينهم، فاستجاب لهم، وهلك كل متكبر لا يقبل الحق ولا يُذْعن له، ولا يقر بتوحيد الله وإخلاص العبادة له.
ومِن أمام هذا الكافر جهنم يَلْقى عذابها; ويُسقى فيها من القيح والدم الذي يَخْرج من أجسام أهل النار.
يحاول المتكبر ابتلاع القيح والدم وغير ذلك مما يسيل من أهل النار مرة بعد مرة، فلا يستطيع أن يبتلعه; لقذارته وحرارته، ومرارته، ويأتيه العذاب الشديد من كل نوع ومن كل عضو من جسده، وما هو بميت فيستريح، وله من بعد هذا العذاب عذاب آخر مؤلم.
صفة أعمال الكفار في الدنيا كالبر وصلة الأرحام كصفة رماد اشتدت به الريح في يوم ذي ريح شديدة، فلم تترك له أثرًا، فكذلك أعمالهم لا يجدون منها ما ينفعهم عند الله، فقد أذهبها الكفر كما أذهبت الريح الرماد، ذلك السعي والعمل على غير أساس، هو الضلال البعيد عن الطريق المستقيم.