الذين جحدوا وحدانية الله ونبوتك -أيها الرسول- وكذَّبوك، ومنعوا غيرهم عن الإيمان بالله ورسوله، زدناهم عذابا على كفرهم وعذابًا على صدِّهم الناس عن اتباع الحق; وهذا بسبب تعمُّدهم الإفساد وإضلال العباد بالكفر والمعصية.
واذكر -أيها الرسول- حين نبعث يوم القيامة في كل أمة من الأمم شهيدًا عليهم، هو الرسول الذي بعثه الله إليهم من أنفسهم وبلسانهم، وجئنا بك -أيها الرسول- شهيدًا على أمتك، وقد نَزَّلْنا عليك القرآن توضيحًا لكل أمر يحتاج إلى بيان، كأحكام الحلال والحرام، والثواب والعقاب، وغير ذلك، وليكون هداية من الضلال، ورحمة لمن صدَّق وعمل به، وبشارة طيبة للمؤمنين بحسن مصيرهم.
إن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده في هذا القرآن بالعدل والإنصاف في حقه بتوحيده وعدم الإشراك به، وفي حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه، ويأمر بالإحسان في حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه المشروع، وإلى الخلق في الأقوال والأفعال، ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبرُّهم، وينهى عن كل ما قَبُحَ قولا أو عملا وعما ينكره الشرع ولا يرضاه من الكفر والمعاصي، وعن ظلم الناس والتعدي عليهم، والله -بهذا الأمر وهذا النهي- يَعِظكم ويذكِّركم العواقب; لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا بها.
والتزموا الوفاء بكل عهد أوجبتموه على أنفسكم بينكم وبين الله -تعالى- أو بينكم وبين الناس فيما لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه، ولا ترجعوا في الأيمان بعد أن أكَّدْتموها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وضامنًا حين عاهدتموه. إن الله يعلم ما تفعلونه، وسيجزيكم عليه.
ولا ترجعوا في عهودكم، فيكون مَثَلكم مثل امرأة غزلت غَزْلا وأحكمته، ثم نقضته، تجعلون أيمانكم التي حلفتموها عند التعاهد خديعة لمن عاهدتموه، وتنقضون عهدكم إذا وجدتم جماعة أكثر مالا ومنفعة من الذين عاهدتموهم، إنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهود وما نهاكم عنه مِن نقضها، وليُبيِّنَنَّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون في الدنيا من الإيمان بالله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولو شاء الله لوفَّقكم كلكم، فجعلكم على ملة واحدة، وهي الإسلام والإيمان، وألزمكم به، ولكنه سبحانه يُضلُّ مَن يشاء ممن علم منه إيثار الضلال، فلا يهديه عدلا منه، ويهدي مَن يشاء مِمَّن علم منه إيثار الحق، فيوفقه فضلا منه، وليسألنَّكم الله جميعًا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم به، ونهاكم عنه، وسيجازيكم على ذلك.