فحطم إبراهيم الأصنام وجعلها قطعًا صغيرة، وترك كبيرها; كي يرجع القوم إليه ويسألوه، فيتبين عجزهم وضلالهم، وتقوم الحجة عليهم.
ورجع القوم، ورأوا أصنامهم محطمة مهانة، فسأل بعضهم بعضًا: مَن فعل هذا بآلهتنا؟ إنه لظالم في اجترائه على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير.
قال مَن سمع إبراهيم يحلف بأنه سيكيد أصنامهم: سمعنا فتى يذكر الأصنام بسوء يقال له إبراهيم.
قال رؤساؤهم: فَأْتوا بإبراهيم على مرأى من الناس; كي يشهدوا على اعترافه بما قال; ليكون ذلك حجة عليه.
وجيء بإبراهيم وسألوه منكرين: أأنت الذي كسَّرْتَ آلهتنا؟ يعنون أصنامهم.
وتمَّ لإبراهيم ما أراد من إظهار سفههم على مرأى منهم. فقال محتجًا عليهم معرِّضًا بغباوتهم: بل الذي كسَّرها هذا الصنم الكبير، فاسألوا آلهتكم المزعومة عن ذلك، إن كانت تتكلم أو ترد جوابًا.
فأُسقِط في أيديهم، وبدا لهم ضلالهم; كيف يعبدونها، وهي عاجزة عن أن تدفع عن نفسها شيئًا أو أن تجيب سائلها؟ وأقرُّوا على أنفسهم بالظلم والشرك.
وسُرعان ما عاد إليهم عنادهم بعد إفحامهم، فانقلبوا إلى الباطل، واحتجُّوا على إبراهيم بما هو حجة له عليهم، فقالوا: كيف نسألها، وقد علمتَ أنها لا تنطق؟
قال إبراهيم محقِّرًا لشأن الأصنام: كيف تعبدون أصنامًا لا تنفع إذا عُبدت، ولا تضرُّ إذا تُركت؟ قبحًا لكم ولآلهتكم التي تعبدونها من دون الله تعالى، أفلا تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟
لما بطلت حجتهم وظهر الحق عدلوا إلى استعمال سلطانهم، وقالوا: حَرِّقوا إبراهيم بالنار; غضبًا لآلهتكم إن كنتم ناصرين لها. فأشْعَلوا نارًا عظيمة وألقوه فيها، فانتصر الله لرسوله وقال للنار: كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، فلم يَنَلْه فيها أذى، ولم يصبه مكروه.
وأراد القوم بإبراهيم الهلاك فأبطل الله كيدهم، وجعلهم المغلوبين الأسفلين.
ونجينا إبراهيم ولوطًا الذي آمن به من «العراق»، وأخرجناهما إلى أرض «الشام» التي باركنا فيها بكثرة الخيرات، وفيها أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وأنعم الله على إبراهيم، فوهب له ابنه إسحاق حين دعاه، ووهب له من إسحاق يعقوب زيادة على ذلك، وكلٌّ من إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعله الله صالحًا مطيعًا له.