بل أتينا هؤلاء المنكرين بالحق فيما أرسلنا به محمدًا صلى الله عليه وسلم، وإنهم لَكاذبون في شركهم وإنكارهم البعث.
لم يجعل الله لنفسه ولدًا، ولم يكن معه من معبود آخر; لأنه لو كان ثمة أكثر مِن معبود لانفرد كل معبود بمخلوقاته، ولكان بينهم مغالبة كشأن ملوك الدنيا، فيختلُّ نظام الكون، تنزَّه الله سبحانه وتعالى وتقدَّس عن وصفهم له بأن له شريكًا أو ولدًا.
هو وحده يعلم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه، فتنزَّه الله تعالى عن الشريك الذي يزعمون.
قل - أيها الرسول -: ربِّ إما ترينِّي في هؤلاء المشركين ما تَعِدُهم مِن عذابك فلا تهلكني بما تهلكهم به، ونجني من عذابك وسخطك، فلا تجعلني في القوم المشركين الظالمين، ولكن اجعلني ممن رضيتَ عنهم.
وإننا لَقادرون على أن نريك ما نَعِدُهم من العذاب.
إذا أساء إليك أعداؤك - أيها الرسول - بالقول أو الفعل فلا تقابلهم بالإساءة، ولكن ادفع إساءتهم بالإحسان منك إليهم، نحن أعلم بما يصفه هؤلاء المشركون من الشرك والتكذيب، وسنجازيهم عليه أسوأ الجزاء.
وقل - أيها النبي -: رب أستجير بك من إغواء الشياطين المغرية على الباطل والفساد والصد عن الحق ووسوستها، وأستجير بك -يا رب- مِن حضورهم في شيء من أموري.
يخبر الله تعالى عن حال المحتضر من الكافرين أو المفرطين في أمره تعالى، حتى إذا أشرف على الموت، وشاهد ما أُعِدَّ له من العذاب قال: رب ردُّوني إلى الدنيا.
لعلي أستدرك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة. ليس له ذلك، فلا يجاب إلى ما طلب ولا يُمْهَل. فإنما هي كلمة هو قائلها قولاً لا ينفعه، وهو فيه غير صادق، فلو رُدَّ إلى الدنيا لعاد إلى ما نُهي عنه، وسيبقى المتوفَّون في الحاجز والبَرْزخ الذي بين الدنيا والآخرة إلى يوم البعث والنشور.
فإذا كان يوم القيامة، ونفخ المَلَك المكلَّف في «القرن»، وبُعِثَ الناس من قبورهم، فلا تَفاخُرَ بالأنساب حينئذ كما كانوا يفتخرون بها في الدنيا، ولا يسأل أحد أحدًا.
فمن كثرت حسناته وثَقُلَتْ بها موازين أعماله عند الحساب، فأولئك هم الفائزون بالجنة.
ومن قَلَّتْ حسناته في الميزان، ورجحت سيئاته، وأعظمها الشرك، فأولئك هم الذين خابوا وخسروا أنفسهم، في نار جهنم خالدون.
تَحْرقُ النار وجوههم، وهم فيها عابسون تَقَلَّصَتْ شفاههم، وبرزت أسنانهم.


الصفحة التالية
Icon