أم تظن أن أكثرهم يسمعون آيات الله سماع تدبر، أو يفهمون ما فيها؟ ما هم إلا كالبهائم في عدم الانتفاع بما يسمعونه، بل هم أضل طريقًا منها.
ألم تر كيف مدَّ الله الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؟ ولو شاء لجعله ثابتًا مستقرًا لا تزيله الشمس، ثم جعلنا الشمس علامة يُستَدَلُّ بأحوالها على أحواله، ثم تَقَلَّصَ الظل يسيرًا يسيرًا، فكلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصانه. وذلك من الأدلة على قدرة الله وعظمته، وأنه وحده المستحق للعبادة دون سواه.
والله تعالى هو الذي جعل لكم الليل ساترًا لكم بظلامه كما يستركم اللباس، وجعل النوم راحة لأبدانكم، وجعل لكم النهار؛ لتنتشروا في الأرض، وتطلبوا معايشكم.
وهو الذي أرسل الرياح التي تحمل السحاب، تبشر الناس بالمطر رحمة منه، وأنزلنا من السماء ماء يُتَطَهَّر به؛ لنخرج به النبات في مكان لا نبات فيه، فيحيا البلد الجدب بعد موات، ونُسْقي ذلك الماء مِن خَلْقِنا كثيرًا من الأنعام والناس.
ولقد أنزلنا المطر على أرض دون أخرى؛ ليذكر الذين أنزلنا عليهم المطر نعمة الله عليهم، فيشكروا له، وليذكر الذين مُنعوا منه، فيسارعوا بالتوبة إلى الله -جل وعلا- ليرحمهم ويسقيهم، فأبى أكثر الناس إلا جحودًا لنعمنا عليهم، كقولهم: مطرنا بنَوْء كذا وكذا.
ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا، يدعوهم إلى الله عز وجل، وينذرهم عذابه، ولكنا جعلناك - أيها الرسول - مبعوثًا إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن، فلا تطع الكافرين في ترك شيء مما أرسلتَ به، بل ابذل جهدك في تبليغ الرسالة، وجاهد الكافرين بهذا القرآن جهادًا كبيرًا، لا يخالطه فتور.
والله هو الذي خلط البحرين: العذب السائغ الشراب، والملح الشديد الملوحة، وجعل بينهما حاجزًا يمنع كل واحدٍ منهما من إفساد الآخر، ومانعًا مِن أن يصل أحدهما إلى الآخر.
وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة. وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء.
ومع كل هذه الدلائل على قدرة الله وإنعامه على خلقه يَعبدُ الكفار مِن دون الله ما لا ينفعهم إن عبدوه، ولا يضرهم إن تركوا عبادته، وكان الكافر عونًا للشيطان على ربه بالشرك في عبادة الله، مُظَاهِرًا له على معصيته.