فلما رأى كل واحد من الفريقين الآخر قال أصحاب موسى: إنَّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا.
قال موسى لهم: كلا ليس الأمر كما ذكرتم فلن تُدْرَكوا; إن معي ربي بالنصر، سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم.
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضرب، فانفلق البحر إلى اثني عشر طريقًا بعدد قبائل بني إسرائيل، فكانت كل قطعة انفصلت من البحر كالجبل العظيم.
وقرَّبْنا هناك فرعون وقومه حتى دخلوا البحر، وأنجينا موسى ومَن معه أجمعين. فاستمر البحر على انفلاقه حتى عبروا إلى البر، ثم أغرقنا فرعون ومن معه بإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه.
إن في ذلك الذي حدث لَعبرة عجيبة دالة على قدرة الله، وما صار أكثر أتباع فرعون مؤمنين مع هذه العلامة الباهرة.
وإن ربك لهو العزيز الرحيم، بعزته أهلك الكافرين المكذبين، وبرحمته نجَّى موسى ومَن معه أجمعين.
واقصص على الكافرين - أيها الرسول - خبر إبراهيم حين قال لأبيه وقومه: أي شيء تعبدونه؟
قالوا: نعبد أصنامًا، فنَعْكُف على عبادتها.
قال إبراهيم منبهًا على فساد مذهبهم: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم، أو يقدِّمون لكم نفعًا إذا عبدتموهم، أو يصيبونكم بضر إذا تركتم عبادتهم؟
قالوا: لا يكون منهم شيء من ذلك، ولكننا وجدنا آباءنا يعبدونهم، فقلَّدناهم فيما كانوا يفعلون.
قال إبراهيم: أفأبصرتم بتدبر ما كنتم تعبدون من الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، أنتم وآباؤكم الأقدمون من قبلكم؟ فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لي، لكن رب العالمين ومالك أمرهم هو وحده الذي أعبده. هو الذي خلقني في أحسن صورة فهو يرشدني إلى مصالح الدنيا والآخرة، وهو الذي ينعم عليَّ بالطعام والشراب، وإذا أصابني مرض فهو الذي يَشْفيني ويعافيني منه، وهو الذي يميتني في الدينا بقبض روحي، ثم يحييني يوم القيامة، لا يقدر على ذلك أحد سواه، والذي أطمع أن يتجاوز عن ذنبي يوم الجزاء.
قال إبراهيم داعيًا ربه: ربِّ امنحني العلم والفهم، وألحقني بالصالحين، واجمع بيني وبينهم في الجنة.