ولو ترى -أيها المخاطب- إذ المجرمون الذين أنكروا البعث قد خفضوا رؤوسهم عند ربهم من الخزي والعار قائلين: ربنا أبصرنا قبائحنا، وسمعنا منك تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا، وقد تُبْنا إليك، فارجعنا إلى الدنيا لنعمل فيها بطاعتك، إنا قد أيقنَّا الآن ما كنا به في الدنيا مكذبين من وحدانيتك، وأنك تبعث من في القبور. ولو رأيت -أيها الخاطب- ذلك كله، لرأيت أمرًا عظيمًا، وخطبًا جسيمًا.
ولو شئنا لآتينا هؤلاء المشركين بالله رشدهم وتوفيقهم للإيمان، ولكن حق القول مني ووجب لأملأنَّ جهنم من أهل الكفر والمعاصي، من صنفي الجِنِّ والإنس أجمعين؛ وذلك لاختيارهم الضلالة على الهدى.
يقال لهؤلاء المشركين -عند دخولهم النار على سبيل التوبيخ-: فذوقوا العذاب؛ بسبب غفلتكم عن الآخرة وانغماسكم في لذائذ الدنيا، إنا تركناكم اليوم في العذاب، وذوقوا عذاب جهنم الذي لا ينقطع؛ بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بالله ومعاصيه.
إنما يصدق بآيات القرآن ويعمل بها الذين إذا وُعِظوا بها أو تُليت عليهم سجدوا لربهم خاشعين مطيعين، وسبَّحوا الله في سجودهم بحمده، وهم لا يستكبرون عن السجود والتسبيح له، وعبادته وحده لا شريك له.
ترتفع جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله عن فراش النوم، يتهجدون لربهم في صلاة الليل، يدعون ربهم خوفًا من العذاب وطمعًا في الثواب، ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله وفي سبيله.
فلا تعلم نفس ما ادَّخر الله لهؤلاء المؤمنين مما تَقَرُّ به العين، وينشرح له الصدر؛ جزاء لهم على أعمالهم الصالحة.
أفمن كان مطيعًا لله ورسوله مصدقًا بوعده ووعيده، مثل من كفر بالله ورسله وكذب باليوم الآخر؟ لا يستوون عند الله.
أما الذين آمنوا بالله وعملوا بما أُمِروا به فجزاؤهم جنات يأوون إليها، ويقيمون في نعيمها ضيافة لهم؛ جزاءً لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته.
وأما الذين خرجوا عن طاعة الله وعملوا بمعاصيه فمستقرهم جهنم، كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم -توبيخاً وتقريعاً-: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون في الدنيا.