وظهر لهؤلاء المكذبين يوم الحساب جزاء سيئاتهم التي اقترفوها، حيث نسبوا إلى الله ما لا يليق به، وارتكبوا المعاصي في حياتهم، وأحاط بهم من كل جانب عذاب أليم؛ عقابًا لهم على استهزائهم بالإنذار بالعذاب الذي كان الرسول يَعِدُهم به، ولا يأبهون له.
فإذا أصاب الإنسان شدة وضُرٌّ، طلب من ربه أن يُفرِّج عنه، فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرًا، ولفضله منكرًا، وقال: إن الذي أوتيتُه إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق، بل ذلك فتنة يبتلي الله بها عباده؛ لينظر مَن يشكره ممن يكفره، ولكن أكثرهم -لجهلهم وسوء ظنهم- لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم من الله، وامتحان لهم على شكر النعم.
قد قال مقالتهم هذه مَن قبلهم من الأمم الخالية المكذبة، فما أغنى عنهم حين جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من الأموال والأولاد.
فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال، فعوجلوا بالخزي في الحياة الدنيا، والذين ظلموا أنفسهم من قومك -أيها الرسول-، وقالوا هذه المقالة، سيصيبهم أيضًا وبال سيئات ما كسبوا، كما أصاب الذين من قبلهم، وما هم بفائتين الله ولا سابقيه.
أو لم يعلم هؤلاء أن رزق الله للإنسان لا يدل على حسن حال صاحبه، فإن الله لبالغ حكمته يوسِّع الرزق لمن يشاء مِن عباده، صالحًا كان أو طالحًا، ويضيِّقه على مَن يشاء منهم؟ إن في ذلك التوسيع والتضييق في الرزق لَدلالات واضحات لقوم يُصدِّقون أمر الله ويعملون به.
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي، وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم، إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم.
وارجعوا إلى ربكم -أيها الناس- بالطاعة والتوبة، واخضعوا له من قبل أن يقع بكم عقابه، ثم لا ينصركم أحد من دون الله.
واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم، وهو القرآن العظيم، وكله حسن، فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة، وأنتم لا تعلمون به.
وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتا على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.