هو الله الذي خلق أباكم آدم من تراب، ثم أوجدكم من المنيِّ بقدرته، وبعد ذلك تنتقلون إلى طور الدم الغليظ الأحمر، ثم تجري عليكم أطوار متعددة في الأرحام، إلى أن تولدوا أطفالا صغارًا، ثم تقوى بِنْيَتُكم إلى أن تصيروا شيوخًا، ومنكم من يموت قبل ذلك، ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدَّرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم، ولعلكم تعقلون حجج الله عليكم بذلك، وتتدبرون آياته، فتعرفون أنه لا إله غيره يفعل ذلك، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له.
هو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة، فإذا قضى أمرًا فإنما يقول له: «كن»، فيكون، لا رادَّ لقضائه.
ألا تعجب -أيها الرسول- من هؤلاء المكذِّبين بآيات الله يخاصمون فيها، وهي واضحة الدلالة على توحيد الله وقدرته، كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ وإلى أيِّ شيء يذهبون بعد البيان التام؟
هؤلاء المشركون الذين كذَّبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله لهداية الناس، فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم حين تُجعل الأغلال في أعناقهم، والسلاسل في أرجلهم، وتسحبهم زبانية العذاب في الماء الحار الذي اشتدَّ غليانه وحرُّه، ثم في نار جهنم يوقد بهم.
ثم قيل لهم توبيخًا، وهم في هذه الحال التعيسة: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ فادعوهم؛ لينقذوكم من هذا البلاء الذي حلَّ بكم إن استطاعوا، قال المكذبون: غابوا عن عيوننا، فلم ينفعونا بشيء، ويعترفون بأنهم كانوا في جهالة من أمرهم، وأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا تساوي شيئًا، كما أضل الله هؤلاء الذين ضلَّ عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله، يضل الله الكافرين به.
ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة، حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام، وبما أنتم عليه من الأشَر والبَطَر والبغي على عباد الله.
ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بالله ومعصيتكم له خالدين فيها، فبئست جهنم نزلا للمتكبرين في الدنيا على الله.
فاصبر -أيها الرسول- وامض في طريق الدعوة، إن وعد الله حق، وسيُنْجِز لك ما وعدك، فإما نرينَّك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب، أو نتوفينَّك قبل أن يحلَّ ذلك بهم، فإلينا مصيرهم يوم القيامة، وسنذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.


الصفحة التالية
Icon