لقد أرسلنا رسلنا بالحجج الواضحات، وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، وأنزلنا الميزان؛ ليتعامل الناس بينهم بالعدل، وأنزلنا لهم الحديد، فيه قوة شديدة، ومنافع للناس متعددة، وليعلم الله علمًا ظاهرًا للخلق من ينصر دينه ورسله بالغيب. إن الله قوي لا يُقْهَر، عزيز لا يغالَب.
ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم إلى قومهما، وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتب المنزلة، فمِن ذريتهما مهتدٍ إلى الحق، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله.
ثم أتبعنا على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات، وقفَّينا بعيسى بن مريم، وآتيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه على دينه لينًا وشفقة، فكانوا متوادِّين فيما بينهم، وابتدعوا رهبانية بالغلوِّ في العبادة ما فرضناها عليهم، بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم، قَصْدُهم بذلك رضا الله، فما قاموا بها حق القيام، فآتينا الذين آمنوا منهم بالله ورسله أجرهم حسب إيمانهم، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله مكذبون بنيه محمد صلى الله عليه وسلم.
يا أيها الذين آمنوا، امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه وآمنوا برسوله، يؤتكم ضعفين من رحمته، ويجعل لكم نورًا تهتدون به، ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور لعباده، رحيم بهم.
أعطاكم الله تعالى ذلك كله؛ ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أنهم لا يقدرون على شيء مِن فضل الله يكسبونه لأنفسهم أو يمنحونه لغيرهم، وأن الفضل كله بيد الله وحده يؤتيه مَن يشاء من عباده، والله ذو الإحسان والعطاء الكثير الواسع على خلقه.