لقد كان لكم -أيها المؤمنون- في إبراهيم عليه السلام والذين معه قدوة حميدة لمن يطمع في الخير من الله في الدنيا والآخرة، ومن يُعْرِض عما ندبه الله إليه من التأسي بأنبيائه، ويوال أعداء الله، فإن الله هو الغنيُّ عن عباده، الحميد في ذاته وصفاته، المحمود على كل حال.
عسى الله أن يجعل بينكم -أيها المؤمنون- وبين الذين عاديتموهم من أقاربكم من المشركين محبة بعد البغضاء، وألفة بعد الشحناء بانشراح صدورهم للإسلام، والله قدير على كل شيء، والله غفور لعباده، رحيم بهم.
لا ينهاكم الله -أيها المؤمنون- عن الذين لم يقاتلوكم من الكفار بسبب الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تكرموهم بالخير، وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم وبرِّكم بهم. إن الله يحب الذين يعدلون في أقوالهم وأفعالهم.
إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم بسبب الدين وأخرجوكم من دياركم، وعاونوا الكفار على إخراجكم أن تولوهم بالنصرة والمودة، ومن يتخذهم أنصارًا على المؤمنين وأحبابًا، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم، الخارجون عن حدود الله.
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إذا جاءكم النساء المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام، فاختبروهن؛ لتعلموا صدق إيمانهن، الله أعلم بحقيقة إيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات بحسب ما يظهر لكم من العلامات والبينات، فلا تردُّوهن إلى أزواجهن الكافرين، فالنساء المؤمنات لا يحلُّ لهن أن يتزوجن الكفار، ولا يحلُّ للكفار أن يتزوجوا المؤمنات، وأعطوا أزواج اللاتي أسلمن مثل ما أنفقوا عليهن من المهور، ولا إثم عليكم أن تتزوجوهن إذا دفعتم لهنَّ مهورهن. ولا تمسكوا بنكاح أزواجكم الكافرات، واطلبوا من المشركين ما أنفقتم من مهور نسائكم اللاتي ارتددن عن الإسلام ولحقن بهم، وليطلبوا هم ما أنفقوا من مهور نسائهم المسلمات اللاتي أسلمن ولحقن بكم، ذلكم الحكم المذكور في الآية هو حكم الله يحكم به بينكم فلا تخالفوه. والله عليم لا يخفى عليه شيء، حكيم في أقواله وأفعاله.
وإن لحقت بعض زوجاتكم مرتدات إلى الكفار، ولم يعطكم الكفار مهورهن التي دفعتموها لهن، ثم ظَفِرتم بهؤلاء الكفار أو غيرهم وانتصرتم عليهم، فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من المسلمين من الغنائم أو غيرها مثل ما أعطوهن من المهور قبل ذلك، وخافوا الله الذي أنتم به مؤمنون.