واللاتي يزنين من نسائكم، فاستشهدوا -أيها الولاة والقضاة- عليهن أربعة رجال عدول من المسلمين، فإن شهدوا عليهن بذلك فاحبسوهن في البيوت حتى تنتهي حياتهن بالموت، أو يجعل الله لهن طريقًا للخلاص من ذلك.
واللذان يقعان في فاحشة الزنى، فآذُوهما بالضرب والهجر والتوبيخ، فإن تابا عمَّا وقع منهما وأصلحا بما يقدِّمان من الأعمال الصالحة فاصفحوا عن أذاهما. ويستفاد من هذه الآية والتي قبلها أن الرجال إذا فعلوا الفاحشة يُؤْذَوْن، والنساء يُحْبَسْنَ ويُؤذَيْنَ، فالحبس غايتة الموت، والأذية نهايتها إلى التوبة والصلاح. وكان هذا في صدر الإسلام، ثم نُسخ بما شرع الله ورسوله، وهو الرجم للمحصن والمحصنة، وهما الحران البالغان العاقلان، اللذان جامعا في نكاح صحيح، والجلدُ مائة جلدة، وتغريب عام لغيرهما. إن الله كان توابا على عباده التائبين، رحيمًا بهم.
إنَّما يقبل الله التوبة من الذين يرتكبون المعاصي والذنوب بجهل منهم لعاقبتها، وإيجابها لسخط الله -فكل عاص لله مخطئًا أو متعمِّدًا فهو جاهل بهذا الاعتبار، وإن كان عالمًا بالتحريم- ثم يرجعون إلى ربهم بالإنابة والطاعة قبل معاينة الموت، فأولئك يقبل الله توبتهم. وكان الله عليمًا بخلقه، حكيمًا في تدبيره وتقديره.
وليس قَبول التوبة للذين يُصِرُّون على ارتكاب المعاصي، ولا يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت، فيقول أحدهم: إني تبت الآن، كما لا تُقبل توبة الذين يموتون وهم جاحدون، منكرون لوحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. أولئك المصرُّون على المعاصي إلى أن ماتوا، والجاحدون الذين يموتون وهم كفار، أعتدنا لهم عذابًا موجعًا.
يا أيها الذين آمنوا لا يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم من جملة تَرِكتهم، تتصرفون فيهن بالزواج منهن، أو المنع لهن، أو تزويجهن للآخرين، وهن كارهات لذلك كله، ولا يجوز لكم أن تضارُّوا أزواجكم وأنتم كارهون لهن; ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر ونحوه، إلا أن يرتكبن أمرا فاحشا كالزنى، فلكم حيننذ إمساكهن حتى تأخذوا ما أعطيتموهن. ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكريم والمحبة، وأداء ما لهن من حقوق. فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب الدنيوية فاصبروا; فعسى أن تكرهوا أمرًا من الأمور ويكون فيه خير كثير.