لو أن كل إنسان أظهر نفسه على حقيقته، وأدى واجبه دون أن يخادع أو يخاتل ودون أن يوقع الآخرين لتكون عندنا المجتمع الصالح والدولة العزيزة الجانب.
ومن صفاتهم أيضا أنه إذا قيل لهم: إن إثارتكم الفتن والتجسس لحساب الكفار وتأليب القبائل على المسلمين فساد، وأى فساد بعد الحرب وما تجره؟ فكفوا عن الفساد، قالوا: ليس الأمر كما زعمتم فإنما نحن مصلحون، لا نتعدى الصلاح إلى غيره أبدا، فرد الله عليهم بعبارة أبلغ في إسناد الفساد لهم وقصره عليهم، وأنهم كاذبون على أنفسهم في دعوى الإصلاح وأنه لا يتعداهم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكن المنافقين لا يدركون المحسوس فلا يشعرون بحالهم. وما كان المسلمون يقفون معهم موقف الإنكار فقط، بل كانوا يدعونهم كذلك إلى الإيمان بشتى الوسائل.
فإذا قالوا لهم: ادخلوا في الإيمان كما دخل فيه غيركم من الناس أجابوا متهكمين منكرين: أنؤمن بالقرآن والنبي، كما آمن به ضعفاء الناس من العبيد والفقراء وضعفاء العقل من الأميين والجهلاء؟! وجهلوا أن ضعيف العقل من يرى طريق الخير والنور أمامه فلا يسلكه، فانظروا يا أيها المنافقون من أى نوع أنتم؟ ألا إنكم أنتم السفهاء وحدكم ليس عندكم إدراك صحيح للإيمان فتعلموا مقداره!!
وروى أن أبا بكر وعمر وعليّا- رضى الله عنهم أجمعين- توجهوا إلى ابن أبىّ وأصحابه من اليهود فلما رآهم ابن أبى قال لأصحابه: انظروا كيف أراد هؤلاء السفهاء عنكم بمعسول القول، فلما حضروا أخذ يمدحهم الواحد بعد الآخر في الدين والسبق فيه ثم قال لأصحابه بعد أن انصرف الصحابة: كيف رأيتمونى؟ فأثنوا عليه خيرا فنزلت الآية.
وليست تكرارا مع ما سبق بل السابق بيان مذهبهم وما استكن في نفوسهم جميعا من النفاق، وفي هذه الآية بيان موقف بعض المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم مع المؤمنين ومع زعمائهم في اليهودية والفساد، الذين هم كالشياطين بل أشد، وإذا خلوا إلى بعضهم قالوا: إنا معكم، ولكنا نستهزئ بهم ونسخر بدينهم، فيرد الله عليهم زعمهم الباطل:
الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يعبأ وسيجازيهم على فعلهم أيما جزاء، ويزيدهم في الطغيان والضلال حتى يصيروا مثلا في الوصول إلى أقصى درجات الحيرة والتخبط.