الحكم بقي وإلا فلا، فتارة تبقى الآية كما هي لأن المصلحة في ذلك، وتارة يذهب لفظها ومعناها أو أحدهما وتؤجل إلى أجل أو تنسى من القلوب، كل ذلك للمصلحة العامة للأمة، فالنسخ ضروري في الأحكام خصوصا عند الأمة الناشئة بسبب تطورها سريعا، فما يصلح علاجا اليوم قد لا يصلح غدا، شأن المربى والطبيب الماهر مع مريضه.
ولم يكن النسخ لجهل الشارع بالحكم الأخير، ولكن كان الشارع يتدرج ويعالج تبعا للظروف والأحوال، انظر إليه حيث عالج الخمر وكيف نسخ الحكم فيها؟ حتى وصل النهاية، وكذا آيات القتال نجد أن النسخ كان لحكمة عالية من حكيم خبير هو أدرى بخلقه، حتى استقرت الأحوال واستوت الأمة قائمة لها كيان لم يبق نسخ، أليس هذا أولى من بقاء الأحكام لا تتغير تبعا للظروف الطارئة فيضطر إلى هجرها وعدم قبولها؟
فالله لم ينسخ آية أو يؤجلها إلا ويأتى بخير منها للعباد أو مثلها على الأقل، أليس الله على كل شيء قديرا؟ أليس لله ملك السموات والأرض فهو يملك أموركم ويدبرها على حسب المصلحة وليس لكم ولى سواه يتولى أموركم ولا نصير ينصركم غيره- سبحانه وتعالى-.
هذا رأى بعض العلماء في النسخ والقول به، وبعضهم يرى أنه لا نسخ أبدا بالمرة وكل آية قيل إن فيها نسخا أوّلوها تأويلا سائغا ببيان أن كل آية في موضوع فلم تنسخ إحداهما الأخرى، انظر إلى آيات العدة الآتية، وآيات القتال، وسنبينها إن شاء الله في موضعها.
بل أتريدون أن تطلبوا من رسولكم كما كانت تطلب آباؤكم اليهود من موسى- عليه السلام-؟ فقد طلبوا منه أن يريهم الله جهرة وغير ذلك مما كانت عاقبته وخيمة عليهم، ومن يترك الثقة في القرآن ويشك في أحكامه ويطلب غيرها فقد ضل السبيل السوى.


الصفحة التالية
Icon