المعنى:
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسا هو خلقها وأموالا هو رزقها بأن لهم الجنة الثابتة لهم الخاصة بهم، إنه بيع الله مربح للمؤمنين، وكأن سائلا سأل وقال: كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة؟ فقيل: يقاتلون في سبيل الله باذلين النفس والنفيس من المال وغيره فيكون منهم أحد أمرين، إما قتل للأعداء، وإما استشهاد في سبيل الله فلا فرق بين القاتل والمقتول ما دام القتال لله وحده.
وعدهم ربهم بذلك وعدا حقا مؤكدا أوجبه على نفسه، وجعله حقا ثابتا لهم في التوراة والإنجيل والقرآن، وليس لك أن تقول أين هذا في التوراة والإنجيل؟ بعد ما ثبت أن الموجود منها سوف ومبدل، وأنهم نسوا حظا منه، وأوتوا نصيبا منه كما في القرآن. راجع سورة المائدة آية: ١٣، ١٤.
ومن أوفى بعهده من الله؟ ومن أصدق قيلا منه، وهو القادر على كل شيء الحكيم الخبير بعباده.
وإذا كان كذلك فاستبشروا وافرحوا غاية الفرح بما فزتم به من الجنة مثوبة من الله وفضلا على بيعكم أنفسكم وأموالكم لله، وذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز أعظم منه.
والمؤمنون الباذلون هم التائبون توبة خالصة كريمة صادقة من كل ذنب جل أو صغر، العابدون الله ربهم المخلصون له في جميع عبادتهم ومعاملتهم لا يخشون إلا هو، ولا يرجون إلا هو، ولا يستعينون إلا به إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة آية ٥].
الحامدون الله ربهم في السراء والضراء إذ كل ما يصيب المسلم فهو بقضاء الله وقدره لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ «١» وهذا لا يمنع الأخذ بالأسباب، السائحون في الأرض يجوبونها لغرض شريف ومعنى كريم كالجهاد في سبيل الله أو طلب العلم، أو التجارة أو الكسب الحلال، أو لاكتشاف ما في الملكوت من معاني عظمة الله وقدرته والوقوف على أحوال الناس للعبرة والعظة، وقيل المراد بالسياحة: الصوم
لقوله صلّى الله عليه وسلم «سياحة أمّتى الصّوم».

(١) سورة الحديد آية ٢٣.


الصفحة التالية
Icon