روى مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية فقال: يا عم. قل: لا إله إلا الله.
كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ولم يزل يكرر رسول الله: ولكن الله لم يوفق أبا طالب وقال، هو على ملة عبد المطلب.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فنزلت الآية.
ولا تنس موقف أبى طالب مع النبي ونصرته له، وفي روايات أخرى أنها نزلت في استغفار بعض الصحابة لأقاربهم. وفي ظني أن الرواية الأولى ضعيفة لأن سورة التوبة من آخر القرآن نزولا.
المعنى:
ما كان من شأن النبي والمؤمنين أى: ما يصح أن يصدر من النبي من حيث كونه نبيا ومن حيث كونهم مؤمنين لا يصح منهم أن يدعو الله طالبين المغفرة للمشركين بعد قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ [سورة النساء آية ٤٨] وبعد قوله في سورة البراءة: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وبعد قوله- تعالى-:
إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ [سورة الممتحنة الآية ٤] وهذا نفى، والمراد منه النهى وهو أبلغ لأن نفى الشأن أبلغ من نفى الشيء نفسه.
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين مطلقا ولو كانوا أولى قربى، وعند عدمها من باب أولى، هذا الحكم يسرى من بعد ما تبين لهم أنهم أعداء الله وذلك بعد الموت، أما قبله فإن كان الاستغفار بمعنى طلب الهداية والتوفيق للإسلام فجائز. وإن كان بمعنى المغفرة بلا إسلام فغير جائز، وإنما يظهر أن الكافر من أصحاب الجحيم وأنه عدو لله بموته على الشرك أو بوحي من الله.
وكان استغفار إبراهيم لأبيه آزر بقوله: وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ «١» بمعنى وفقه للإسلام كما يفهم من تعليله إنه كان من الضالين وما كان استغفار إبراهيم إلا عن موعدة وعدها إياه بقوله لأستغفرن لك ربي وهذه الموعدة مبنية على عدم تبين أمره فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، وعلى هذا فمن استغفر لحى يرجو إيمانه يقصد سؤال الله له الهداية فلا بأس.

(١) سورة الشعراء آية ٨٦.


الصفحة التالية
Icon