بالناس الجد، فأصبح رسول الله غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، وعللت نفسي بأنى سألحق بعد يوم أو يومين، ولم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم وليت أنى فعلت، ثم لم يقدر لي ذلك، فطفقت وقد خرج الناس يحزنني أنى لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق (مطعونا عليه في دينه) أو معذورا من ضعيف أو مريض.
قال كعب: ولما بلغني أن رسول الله قفل راجعا حضرني بثي وحزنى فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذي رأى من أهلى فلما قيل لي إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عنى الباطل حتى عرفت أنى لن أنجو منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه، وكان إذا جاء من سفره ركع ركعتين في المسجد ثم جلس للناس. فلما فعل جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له فقبل منهم رسول الله علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئت فلما سلمت تبسم تبسم المغضب، وقال لي: «ما خلفك؟! ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» قال: قلت يا رسول الله: إنى والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا (فصاحة وقوة في البيان) ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله أن يسخطك على. ولئن حدثتك حديث صدق تجد على فيه (تغضب على فيه) إنى لأرجو فيه عقبى الله. يا رسول الله: ما كان لي عذر. والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنك. فقال رسول الله: «أمّا هذا فقد صدق فقم حتّى يقضى الله فيك» فقمت وأنبنى ناس لسلوكى هذا المسلك، ثم قلت لهم: هل لقى هذا معى أحد؟
قالوا: نعم لقيه معك مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا له رجلين صالحين قد شهدا بدرا.
ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه.
قال: فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا كنت أخرج إلى الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟!.