وكان النبي صلّى الله عليه وسلم بعد الأربعين أرسل لهم من يبلغهم باجتناب نسائهم ففعلوا واستأذنت امرأة هلال في خدمته فأذن لها لكبره وضعفه قال كعب بن مالك: فقلت لزوجي: الحقي بأهلك. ومكثت عشر ليال على ذلك وبينما أنا في صلاة الفجر وإذا بالبشرى تزف إلى من كل جانب: أن الله قد تاب علينا وتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوننى بالتوبة.
وهكذا التوبة الصادقة، التوبة النصوح أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه فلم يعد للسرور مكان فيها، وأن يعتقد ألا ملجأ من الله وعذابه إلا إليه، وما يتبع ذلك من الندم والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب أبدا، ورد المظالم إلى أهلها إن كانت.
ثم تاب الله عليهم ووفقهم للتوبة المقبولة ليتوبوا ويرجعوا إليه رجوعا خالصا إن الله هو التواب الرحيم.
وقد كان للصدق أثر كبير في قبول توبة هؤلاء الثلاثة، ولذا أردف الله توبتهم بقوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ المخلصين.
وإنى أختم الكلام على هذه الآية الكريمة
بقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «عليكم بالصّدق فإنّ الصّدق يهدى إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدى إلى الجنة، وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا»
والكذب على ضد ذلك
ففي الحديث: «إيّاكم والكذب فإنّ الكذب يهدى إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدى إلى النّار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا».
وجوب الجهاد مع رسول الله وجزاؤه [سورة التوبة (٩) : الآيات ١٢٠ الى ١٢١]
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)