المعنى:
وما كان ينبغي للمؤمنين من حيث هذا الوصف أن يخرجوا للقتال جميعا [وهذا في غير النفير العام كما سبق] أى: في السرايا فإن الخروج فيها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
فلولا نفر وخرج للقتال من كل فرقة كبيرة كالقبيلة أو البلد جماعة قليلة يقدر عددها بقدر الظروف والملابسات، وذلك ليتأتى للمؤمنين في جملتهم التفقه في الدين والوقف على أسرار التنزيل، فيكون حول النبي صلّى الله عليه وسلّم جماعة يتعلمون منه الأحكام، ويأخذون عنه القرآن حتى إذا ما رجع المجاهدون من الميدان بلغوهم ما نزل من القرآن وأوقفوهم على ما جد من الأحكام، وذلك كله رجاء أن يحذروا عقاب الله ويخافوا بطشه.
ومن هنا نعلم أن الآيات تشير إلى وجوب الجهاد العام إذا ما خرج النبي صلّى الله عليه وسلم وكذا الحاكم العام للغزو أى: في حالة التغير العام وهذه تقدر بظروفها أما في غيرها فيخرج للجهاد بعض الشعب لا كله.
وتشير الآية إلى أن تعلم العلم أمر واجب على الأمة جميعا وجوبا لا يقل عن وجوب الجهاد والدفاع عن الوطن واجب مقدس، فإن الوطن يحتاج إلى من يناضل عنه بالسيف وإلى من يناضل عنه بالحجة والبرهان، بل إن تقوية الروح المعنوية، وغرس الوطنية وحب التضحية، وخلق جيل يرى أن حب الوطن من الإيمان، وأن الدفاع عنه واجب مقدس. هذا أساس بناء الأمة، ودعامة استقلالها.
وتشير الآية الكريمة إلى أن غاية طلب العلم هو التفقه في الدين، وفهم أسراره فهما تصلح به نفس العالم حتى يكون ربانيا وقرآنيا، وأن أثر ذلك في الخارج هو الدعوة إلى الله وإنذار قومك إذا رجعت إليهم، فتعلمهم، وتثقفهم، وتهديهم، وتربيهم على حب الخير، وعلى حب العمل والجد، وأن الله يحب المؤمن القوى في نفسه وعقله وخلقه وعلمه وبدنه، وهذه هي مهمة الرسل الكرام.
وإن وضع الآية التي تشير إلى العلم والتعلم في وسط آيات الجهاد والقتال لمن المعجزات التي كشف عنها هذا العصر. فإن الحروب اليوم تعتمد على العلم والفقه الحربي أكثر مما تعتمد على السلاح.