نحن بصددها هي آيات الكتاب الحكيم صاحبها، والمحكم أجزاؤها ومعانيها كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [سورة هود الآية ١].
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ إن هذا لعجب وعجب!! لقد تعجب الكفار من أن يوحى إلى بشر بالرسالة، وأن يكون المرسل بشرا من عامتهم ليس عظيما من عظمائهم، وقد قالوا: العجب أن الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبى طالب، وأن يأتى هذا الرسول فيذكر البعث وينذر به، ويبشرن المؤمنين بأن لهم الجنة، فهم جعلوا ذلك أعجوبة لهم، ونصبوه علما يوجهون إليه استهزاءهم.
والهمزة في قوله: أَكانَ.. الآية. لإنكار تعجبهم بل والتعجب من تعجبهم إذ الله لم يرسل رسولا قبل محمد إلا وكان بشرا وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام الآية ٩] وقال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا «١» فإرسال محمد رسولا وهو بشر لا يدعو إلى العجب، ويتمه وفقره ليس يدعو إلى العجب إذ الله أعلم حيث يجعل رسالته، والغنى والتقدم في الدنيا وكثرة المال والولد ليس مبررا للرسالة وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى «٢».
وأما البعث. والجزاء على الخير والشر فهو أمر طبيعي لازم فكيف يدعو إلى العجب؟! وإنما العجب العاجب هو تعجبكم أنتم من الأشياء التي تدعو العامة مع تخويفهم عاقبة الكفر والمعاصي، وأوحينا إليه بأن أنذر الناس كافة، وبشر الذين آمنوا خاصة بأن لهم قدم صدق عند ربهم، يجزيهم بها في الآخرة أحسن الجزاء.
وماذا قال الكافرون وأجابوا به الرسول؟ قال الكافرون: لما رأوا القرآن وأثره في القلوب، وفعله في النفوس حتى فرق بين المرء وأخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه قالوا:
إن هذا إلا سحر يؤثر، وما صاحبه محمد إلا ساحر.
(٢) سورة سبأ آية: ٣٧.