المؤمنين جنبا إلى جنب، وإذا دارت رحا الحرب وانقضت صواعقها منذرة بالموت والهزيمة أخذوا حذرهم وفروا من وجه العدو قائلين «إن بيوتنا عورة» حتى إذا كانت الثالثة فلم يلمحوا من الآمال بارقة ولم يتوقعوا من الآلام صاعقة، بل اشتبهت عليهم الأمور فهناك يقفون متربصين لا يتقدمون ولا يتأخرون، ولكن يلزمون شقة الحياد ريثما تنقشع سحابة الشك فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ، وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ذلك دأب المنافقين في كل أمرهم، إن توقعوا ربحا عاجلا التمسوه في أى صف وجدوه، وإن توقعوا أذى كذلك تنكروا للفئة التي ينالهم في سبيلها شيء مكروه وإذا أظلم عليهم الأمر قاموا بعيدا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء أما الذي يؤمن بالله واليوم الآخر فإن له قبلة واحدة يولى وجهه شطرها، هي قبلة الحق لا يخشى فيها لومة لائم:
وليس يبالى حين يقتل مسلما | على أى جنب كان في الله مصرعه «١». |
وبعد أن بينت السورة الكريمة أقسام الناس الثلاثة، وعاقبة كل قسم منهم، ساقت لهم نداء عاما دعتهم فيه إلى عبادة الله وحده، قال تعالى:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)