وفي معنى هذه الآية، وردت آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «١».
وقوله- سبحانه-: كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
«٢».
وقوله- عز وجل-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ «٣».
وبعد هذا النداء الذي يحمل أكرم البشارات للمؤمنين، ذم- سبحانه- الكافرين ذما شديدا، فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا، فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ.
والاسم الموصول مبتدأ، وخبره محذوف، وفَتَعْساً منصوب على المصدر بفعل مضمر من لفظه، واللام في قوله لَهُمْ لتبيين المخاطب، كما في قولهم: سقيا له، أى: أعنى له يقال: تعس فلان- من باب منع وسمع- بمعنى هلك.
قال القرطبي ما ملخصه وقوله: فَتَعْساً لَهُمْ نصب على المصدر بسبيل الدعاء، مثل سقيا له.. وفيه عشرة أقوال: الأول: بعدا لهم. الثاني: حزنا لهم....... الخامس) هلاكا لهم..
يقال: تعسا لفلان، أى ألزمه الله هلاكا.
ومنه الحديث الشريف: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة. إن أعطى رضى، وإن لم يعط لم يرض».
وفي رواية: «تعس وانتكس، وإذا شيك- أى أصابته شوكة- فلا انتقش» أى: فلا شفى من مرضه «٤».
والمعنى: والذين كفروا فتعسوا تعسا شديدا، وهلكوا هلاكا مبيرا، وأضل الله- تعالى- أعمالهم، بأن أحبطها ولم يقبلها منهم، لأنها صدرت عن نفوس أشركت مع خالقها ورازقها آلهة أخرى في العبادة.
فقوله: وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ معطوف على الفعل المقدر الذي نصب به لفظ «تعسا» ودخلت الفاء على هذا اللفظ، تشبيها للاسم الموصول بالشرط.
ثم بين- سبحانه- الأسباب التي أدت بهم إلى الخسران والضلال فقال: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.
(٢) سورة الروم الآية ٤٧.
(٣) سورة غافر ٥١.
(٤) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٣٢.