والذي يتدبر القرآن الكريم، يجد أن الله- تعالى- قد ذكر فيه أن كل شيء في هذا الكون يسبح بحمده- تعالى-، كما في قوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ كما ذكر- سبحانه- أن الملائكة تسبح له، كما في قوله: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ....
وكذلك الرعد، كما في قوله: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ....
وكذلك الجبال والطير قال- تعالى-: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ «١».
وقد سبق أن ذكرنا خلال تفسيرنا لقوله- تعالى-:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ | أن الرأى الذي تطمئن إليه النفس، أن التسبيح حقيقى، ولكن بلغة لا يعلمها إلا الله- تعالى- «٢». |
وقد افتتحت بعض السور- كسورة الحديد والحشر والصف- بالفعل الماضي، لإفادة الثبوت والتأكيد، وأن التسبيح قد تم فعلا.
وافتتحت بعض السور، كسورة الجمعة والتغابن- بالفعل المضارع «يسبح» لإفادة تجدد هذا التسبيح في كل وقت، وحدوثه في كل لحظة.
ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله على المؤمنين، حيث نصرهم على أعدائهم، فقال: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ....
والمراد بالذين كفروا من أهل الكتاب هنا: يهود بنى النضير، وقصتهم معروفة في كتب السنة والسيرة، وملخصها: أن هؤلاء اليهود كانوا يسكنون في ضواحي المدينة فذهب إليهم النبي ﷺ ليستعين بهم في دفع دية لقتيلين قتلهما بعض المسلمين خطأ، فاستقبلوه استقبالا حسنا، وأظهروا له ﷺ استعدادهم للمساعدة فيما يطلبه منهم، ثم خلا بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فمن منكم يصعد إلى أعلى هذا البيت الذي يجلس تحته محمد ﷺ فيلقى عليه حجرا فيريحنا منه.
(١) سورة ص آية ١٨، ١٩.
(٢) راجع تفسيرنا لسورة الإسراء الآية ٤٤ ص ٣٦١.
(٢) راجع تفسيرنا لسورة الإسراء الآية ٤٤ ص ٣٦١.