وحذف- سبحانه- المفعول به لهما، لأنهما هما المقصودان بالذات، لدلالتهما على كمال قدرته- تعالى- أى: وأنه وحده- عز وجل- هو الذي أوجد في الإنسان الضحك والبكاء، فالفعلان منزلان منزلة الفعل اللازم.
وقدم- سبحانه- الضحك على البكاء، للإشعار بمزيد فضله ومنته على عباده.
وقوله: وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا أى: وأنه- تعالى- بقدرته وحدها، هو الذي أحيا من يريد إحياءه من مخلوقاته، وأمات من يريد إماتته منهم.

وهذا رد على أولئك الجاهلين الذين أنكروا ذلك، وقالوا- كما حكى القرآن عنهم- ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا، وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ.. «١».
وقوله- سبحانه- وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى.
وأصل النطفة: الماء الصافي، أو القليل من الماء الذي يبقى في الدلو أو القربة، وجمعها نطف ونطاف، يقال: نطفت القربة، إذا تقاطر ماؤها بقلة.
وقوله: تُمْنى أى: تتدفق في رحم المرأة، يقال: أمنى الرجل ومنى إذا خرج منه المنىّ.
أى: وأنه- تعالى- وحده، هو الذي خلق الزوجين الكائنين من الذكر والأنثى، من نطفة تتدفق من الرجل إلى رحم الأنثى، فتلتقى ببويضة الأنثى، فيكون منهما الإنسان- بإذن الله-.
كما قال- تعالى-: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى. ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى «٢».
وقوله- سبحانه-: وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى أى: وأن عليه وحده- سبحانه- الإحياء بعد الإماتة، والإعادة إلى الحياة مرة أخرى يوم البعث والنشور.
والنشأة هي المرة من الإنشاء، أى: الإيجاد والتكوين والخلق، والأخرى: مؤنث الأخير، والمراد أنه- سبحانه- يوجد النشأة التي لا نشأة بعدها.
وقوله: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى أى: وأنه- سبحانه- هو الذي أغنى الناس بالأموال الكثيرة المؤثلة، التي يقتنيها الناس ويحتفظون بها لأنفسهم ولمن بعدهم.
(١) سورة الجاثية الآية ٢٤.
(٢) سورة القيامة الآيات من ٣٦ إلى ٤٠.


الصفحة التالية
Icon