معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: «جعلت ومهدت... » أى: أعطيته كل هذه النعم، ثم بعد ذلك هو شره لا يشبع، وإنما يطلب المزيد منها ثم المزيد.
وقوله- تعالى-: كَلَّا زجر وردع وقطع لرجائه وطمعه، وحكم عليه بالخيبة والخسران. أى: كلا، لن أعطيه شيئا مما يطمع فيه، بل سأمحق هذه النعم من بين يديه، لأنه قابلها بالجحود والبطر، ومن لم يشكر النعم يعرضها للزوال، ومن شكرها زاده الله- تعالى- منها، كما قال- سبحانه-: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ.
وقوله: إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً تعليل للزجر والردع وقطع الرجاء. أى: كلا لن أمكنه مما يريده ويتمناه.. لأنه كان إنسانا شديد المعاندة والإبطال لآياتنا الدالة على وحدانيتنا، وعلى صدق رسولنا فيما يبلغه عنا. ومن مظاهر ذلك أنه وصف رسولنا ﷺ بأنه ساحر...
قال مقاتل: ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقص من ماله وولده حتى هلك.
ثم بين- سبحانه- ما أعده له من عذاب أليم فقال: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. والإرهاق:
الإتعاب الشديد، وتحميل الإنسان ما لا يطيقه. يقال: فلان رهقه الأمر يرهقه، إذا حل به بقهر ومشقة لا قدرة له على دفعها. ومنه قوله- تعالى-: وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.
وقوله- سبحانه-: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً....
والصعود: العقبة الشديدة، التي لا يصل الصاعد نحوها إلا بمشقة كبيرة، وتعب قد يؤدى إلى الهلاك والتلف. وهذه الكلمة صيغة مبالغة من الفعل صعد.
وهذه الآية الكريمة في مقابل قوله- تعالى- قبل ذلك: وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً أى:

أن هذا الجاه الذي أتاه في الدنيا بدون تعب سيلقى في الآخرة ما هو نقيضه من تعب وإذلال..
قال صاحب الكشاف: قوله: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً أى: سأغشيه عقبة شاقة المصعد.
وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعد الذي لا يطاق. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:
«يكلف أن يصعد عقبة في النار، كلما وضع عليها يده ذابت، فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله عليها ذابت، فإذا رفعها عادت». وعنه صلى الله عليه وسلم: «الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك أبدا» «١».
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٤٨.


الصفحة التالية
Icon