أقسم الله- تعالى- بصفات خمس موصوفها محذوف، فجعلها بعضهم الرياح في الكل، وجعلها بعضهم الملائكة في الكل | وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول، لموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة.. «١». |
فيكون المعنى: وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين، فتعصفهم عصفا، وتهلكهم إهلاكا شديدا، فقوله: عَصْفاً وصف مؤكد للإهلاك الشديد، يقال: عصفت الريح، إذا اشتدت، وعصفت الحرب بالقوم، إذا ذهبت بهم، وناقة عصوف، إذا مضت براكبها مسرعة، حتى لكأنها الريح.
وقوله: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً أى: وحق الرياح التي تنتشر انتشارا عظيما في الآفاق، فتأتى بالسحب، التي تتحول بقدرة الله- تعالى- إلى أمطار غزيرة نافعة.
قال ابن كثير- بعد أن ذكر آراء العلماء في معنى هذه الألفاظ-: والأظهر أن المرسلات هي الرياح، كما قال- تعالى-: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ.. وقال- سبحانه-:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ. وهكذا العاصفات هي الرياح، يقال:
عصفت الريح إذا هبت بتصويت، وكذا النَّاشِراتِ: هي الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء كما يشاء الرب- عز وجل-.
وقوله- سبحانه- فَالْفارِقاتِ فَرْقاً يصح أن يكون وصفا للملائكة الذين ينزلون بالشرائع المفرقة بين الحق والباطل، وبين أهل الحق وأهل الضلال.
ويصح أن يكون وصفا للآيات التي أنزلها الله- تعالى- للتمييز بين الخير والشر، والرشد والغي.
وقوله فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً قال القرطبي: هم الملائكة بإجماع، يلقون كتب الله- تعالى- إلى الأنبياء- عليهم السلام-.. «٢».
فالمراد بالذكر في قوله فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً: وحى الله- تعالى- الذي يبلغه الملائكة إلى الرسل.
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٦٣. [.....]
(٢) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ١٥٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ١٥٦.