قولك: زيد ما زيد؟ جعلته لانقطاع قرينه، وعدم نظيره، كأنه شيء خفى عليك جنسه، فأنت تسأل عن جنسه، وتفحص عن جوهره، كما تقول: ما الغول وما العنقاء.. ؟.
ويَتَساءَلُونَ يسأل بعضهم بعضا.. والضمير لأهل مكة، فقد كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث.
وقوله: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ بيان للشأن المفخم.
فإن قلت: قد زعمت أن الضمير في يَتَساءَلُونَ للكفار، فما تصنع بقوله: الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ؟ قلت: كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث، ومنهم من يشك.
وقيل: الضمير للمسلمين والكافرين جميعا، وكانوا جميعا يسألون عنه، أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا، وأما الكافر فليزداد استهزاء.. «١».
ثم هدد- سبحانه- هؤلاء المستهزئين بما جاء به النبي ﷺ تهديدا شديدا، فقال كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ.
و «كلا» حرف زجر وردع، والمقصود بها هنا: ردع أولئك المتسائلين عن النبأ العظيم، ونوعدهم على اختلافهم في شأنه.
أى: كلا ليس الأمر كما يتوهمه أولئك المتسائلون، من استهزائهم بما جاءهم به الرسول ﷺ ومن إنكارهم لكون القرآن الكريم من عند الله، أو لكون البعث حق. بل الحق كل الحق أن الرسول ﷺ صادق كل الصدق فيما يبلغه عن ربه، وأن هؤلاء المتسائلين سيرون عما قريب سوء عاقبة استهزائهم واختلافهم.
والجملة الثانية وهي قوله: ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ جيء بها لزيادة التهديد والوعيد، ولبيان أن الوعيد الثاني أشد وأبلغ من الوعيد الأول.
وحذف مفعول سَيَعْلَمُونَ للتعميم والتهويل، أى: سيعلمون علم اليقين ما سيحل بهم من عذاب مقيم، وسيرون ذلك رأى العين عما قريب، كما قال- تعالى- إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَنَراهُ قَرِيباً.
ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك تسعة أدلة، كلها تدل على أن البعث حق، لأن القادر على إيجاد هذه الأشياء، قادر- أيضا- على إعادتهم إلى الحياة، فقال- تعالى-: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً والاستفهام هنا للتقرير، أى: لقد جعلنا- بقدرتنا التي لا يعجزها شيء-