قال الإمام الرازي: اعلم أن وجه المناسبة بين هذه القصة وبين ما قبلها من وجهين:
الأول: أنه- تعالى- حكى عن الكفار إصرارهم على إنكار البعث، حتى انتهوا في ذلك الإنكار إلى حد الاستهزاء في قولهم: تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ، وكان ذلك يشق على الرسول ﷺ فذكر- سبحانه- قصة موسى- عليه السلام-، وبين أنه تحمل المشقة في دعوة فرعون، ليكون ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن فرعون كان أقوى من كفار قريش... فلما تمرد على موسى، أخذه الله- تعالى- نكال الآخرة والأولى، فكذلك هؤلاء المشركون في تمردهم عليك، إن أصروا، أخذهم الله وجعلهم نكالا.... «١».
والمقصود من الاستفهام في قوله- تعالى-: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى... التشويق إلى الخبر، وجعل السامع في أشد حالات الترقب لما سيلقى إليه، حتى يكون أكثر وعيا لما سيسمعه.
والخطاب للرسول ﷺ لقصد تسليته، ويندرج فيه كل من يصلح له.
والمعنى: هل وصل إلى علمك- أيها الرسول الكريم- خبر موسى- عليه السلام- مع فرعون؟ إن كان لم يصل إليك فهاك جانبا من خبره نقصه عليك، فتنبه له، لتزداد ثباتا على ثباتك، وثقة في نصر الله- تعالى- لك على ثقتك.
والظرف «إذ» في قوله- تعالى-: إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً متعلق بلفظ «حديث»، والجملة بدل اشتمال مما قبلها.
و «الواد» المكان المنخفض بين جبلين، أو بين مكانين مرتفعين. و «المقدس» : بمعنى المطهر. و «طوى» اسم للوادي. وقد جاء الحديث عنه في آيات متعددة، منها قوله- تعالى-: فَلَمَّا أَتاها- أى النار- نُودِيَ يا مُوسى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً «٢».

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٣٢١.
(٢) سورة طه الآيتان ١١- ١٢.


الصفحة التالية
Icon