القسم، يراد بها تأكيد الخبر، كأنه في ثبوته وظهوره لا يحتاج إلى قسم. ويقال إنه يؤتى بها في القسم إذا أريد تعظيم المقسم به. كأن القائل يقول: إنى لا أعظمه بالقسم، لأنه عظيم في نفسه، والمعنى في كل حال على القسم.. «١».
وقال بعض العلماء: «لا» هذه للنفي، وهذه عبارة تعود العرب أن يقولوها عند ما يكون المقسم عليه ظاهرا أمره، كأنه- تعالى- يقول: أنا لا أقسم بهذه الأشياء، على إثبات هذا المطلوب الذي أذكره بعد، لأن إثباته أظهر وأجلى وأقوى من أن يحاول محاول إثباته بالقسم.
ويقال: معناه: أنا لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات المطلوب، لأنه أعظم وأجل وأكبر من أن يقسم عليه، بهذه الأمور الهينة الشأن، والغرض على هذا الوجه، تعظيم المقسم عليه، وتفخيم شأنه.. «٢».
والإشارة بلفظ «هذا» مع بيانه بالبلد، إشارة إلى حاضر في أذهان السامعين، لأن مكة بعضهم كان يعيش فيها. وبعضهم كان يعرفها معرفة لا خفاء معها، وشبيه بذلك قوله- تعالى-: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
وفائدة الإتيان باسم الإشارة هنا: تمييز المقسم به أكمل تمييز لقصد التنويه به.
وجملة: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ معترضة بين القسم وجوابه.
وقوله- تعالى- حِلٌّ اسم مصدر أحل بمعنى أباح، فيكون المعنى: وأنت- أيها الرسول الكريم- قد استحل كفار مكة إيذاءك ومحاربتك.. مع أنهم يحرمون ذلك النسبة لغيرك، في هذا البلد الأمين.
ويصح أن يكون لفظ «حل» هنا بمعنى الحلال الذي هو ضد الحرام يقال: هو حل وحلال، وحرم وحرام.. فيكون المعنى: وأنت أيها الرسول الكريم- قد أحل الله- تعالى- لك أن تفعل بهؤلاء المشركين ما شئت من القتل أو العفو.
وتكون الجملة الكريمة، بشارة للنبي ﷺ بأن الله- تعالى- سينصره على مشركي قريش، ويمكنه من رقابهم.. وقد أنجز له- سبحانه- ذلك يوم الفتح الأكبر.
قال صاحب الكشاف: أقسم الله- تعالى- بالبلد الحرام وما بعده، على أن الإنسان خلق مغمورا في مكابدة المشاق والشدائد، واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله: وَأَنْتَ

(١) تفسير جزء عم ص ٢٤ طبعة الشعب.
(٢) تفسير جزء عم ص ٦٥ لفضيلة الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد- رحمه الله-.


الصفحة التالية
Icon