جزء من أجزائه. واحتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة خلقت من ضلع أعوج فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها».
والقول الثاني: وهو اختيار أبى مسلم الأصفهاني: أن المراد من قوله وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أى من جنسها. وهو كقوله- تعالى- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً.
وكقوله إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وقوله لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
قال القاضي: والقول الأول أقوى، لكي يصح قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة «١».
وقد تضمن هذا النداء لجميع المكلفين تنبيهم إلى أمرين:
أولهما: وحدة الاعتقاد بأن ربهم جميعا واحد لا شريك له. فهو الذي خلقهم وهو الذي رزقهم، وهو الذي يميتهم وهو الذي يحييهم، وهو الذي أوجد أبيضهم وأسودهم، وعربيهم وأعجميهم.
وثانيهما: وحدة النوع والتكوين، إذ الناس جميعا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم قد انحدروا عن أصل واحد وهو آدم- عليه السلام-.
فيجب أن يشعر الجميع بفضل الله عليهم. وأن يخلصوا له العبادة والطاعة، وأن يتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، وأن يوقنوا بأنه لا فضل لجنس على جنس، ولا للون على لون إلا بمقدار حسن صلتهم بربهم ومالكهم ومدبر أمورهم.
والمعنى: يا أيها الناس اتقوا ربكم بأن تطيعوه فلا تعصوه، وبأن تشكروه فلا تكفروه، فهو وحده الذي أوجدكم من نفس واحدة هي نفس أبيكم آدم، وذلك من أظهر الأدلة على كمال قدرته- سبحانه، ومن أقوى الدواعي إلى اتقاء موجبات نقمته، ومن أشد المقتضيات التي تحملكم على التعاطف والتراحم والتعاون فيما بينكم، إذ أنتم جميعا قد أوجدكم- سبحانه- من نفس واحدة.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «فإن قلت: الذي يقتضيه سداد نظم الكلام وجزالته، أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعو إليها ويحث عليها فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره موجبا للتقوى وداعيا إليها؟
قلت: لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة. ومن قدر على نحوه كان قادرا على كل شيء،