وحده ومع أموالهم فلم ورد النهى عن أكله معها؟ قلت: لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال- وهم مع ذلك يطمعون فيها- كان القبح أبلغ والذم أحق، ولأنهم كانوا يفعلون ذلك فنعى عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم» «١».
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً.
والحوب: اسم مصدر من حاب يحوب حوبا: إذا اكتسب إثما. يقال: فلان يتحوب أى يتأثم. والحوباء: النفس المرتكبة للإثم. ويقال في الدعاء: اللهم اغفر حوبتي، أى إثمى.
وأصله الزجر للإبل، فسمى الإثم حوبا لأنه يزجر عنه وبه.
والضمير في قوله إِنَّهُ يعود إلى أكل مال اليتيم بأى طريق محرم.
والمعنى: إن أكل مال اليتيم بأى طريقة من الطرق المحرمة كان إثما كبيرا، وذنبا عظيما، لأن هذا الأكل اعتداء على نفس ضعيفة فقدت من يعولها ومن يدافع عنها، ومن اعتدى على نفس ضعيفة، وضيع حقها، وخان الأمانة كان مرتكبا لذنب عظيم يؤدى به إلى العقوبة والعذاب الأليم.
والجملة بمنزلة التعليل للنهى عن أكل مال اليتيم، وعن الطمع بدون وجه حق فيها.
ثم شرع- سبحانه- في نهيهم عن منكر آخر كانوا يباشرونه فقال- تعالى-:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ.
وقوله وَإِنْ خِفْتُمْ شرط، وجوابه قوله فَانْكِحُوا.
والمراد من الخوف: العلم، وعبر عنه بذلك للأشعار بكون المعلوم مخوفا محذورا. ويقوم الظن الغالب مقام العلم.
وقوله تُقْسِطُوا من الإقساط وهو العدل. يقال: أقسط الرجل إذا عدل. قال- تعالى-: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ويقال: قسط الرجل إذا جار وظلم صاحبه.
قال- تعالى- أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً.
والمراد «باليتامى» : يتامى النساء. قال الزمخشري: ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة.
ومعنى ما طابَ لَكُمْ ما مالت إليه نفوسكم واستطابته من النساء اللائي أحل الله لكم نكاحهن.