لا سيما وقد قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه فيكون إيجاز لفظ الآية اعتدادا بما فهمه الناس مما يعلمون من أحوالهم، وتكون قد جمعت إلى جانب حفظ حقوق اليتامى في أموالهم الموروثة، حفظ حقوقهم في الأموال التي يستحقها النساء اليتامى كمهور لهن عند الزواج بهن..» «١».
أما الرأى الثاني فيرى أصحابه أن الآية مسوقة للنهى عن نكاح ما فوق الأربع خوفا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم.
وقد حكى هذا القول الإمام ابن جرير فقال: وقال آخرون بل معنى ذلك: النهى عن نكاح ما فوق الأربع، حذرا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم وذلك أن قريشا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل، فإذا صار معدما مال على مال اليتيمة التي في حجره فأنفقه، أو تزوج به، فنهوا عن ذلك. وقيل لهم: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها فلا تعدلوا فيها من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مؤن نسائكم، - إن خفتم ذلك. فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربع. وإن خفتم أيضا من الأربع ألا تعدلوا في أموالهم- أى أموال اليتامى-، فاقتصروا على الواحدة أو على ما ملكت أيمانكم «٢» - أى إن كان زواجكم بالأربع يؤدى إلى الجور في أموال اليتامى فاقتصروا على الزواج بامرأة واحدة-».
وقد انتصر ابن جرير لهذا القول وعده أرجح الأقوال، فقال ما ملخصه وإنما قلنا: إن ذلك أولى بتأويل الآية لأن الله- تعالى- افتتح الآية التي قبلها بالنهى عن أكل أموال اليتامى بغير حقها. ثم أعلمهم- هنا- المخلص من الجور في أموال اليتامى فقال: انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم ما أبحت لكم منهن وحللته: مثنى وثلاث ورباع. فإن خفتم أيضا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة فلا تنكحوها، ولكن تسروا من المماليك، فإنكم أحرى ألا تجوروا عليهن، لأنهن أملاككم وأموالكم، ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر، فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الإثم والجور» «٣».
وينسب هذا الرأى إلى ابن عباس وسعيد بن جبير، والسدى، وقتادة، وعكرمة.
وقال مجاهد: إن الآية الكريمة مسوقة للنهى عن الزنا. وقد حكى هذا الرأى صاحب الكشاف فقال: كانوا لا يتحرجون من الزنا. ويتحرجون من ولاية اليتامى. فقيل لهم: إن

(١) تفسير التحرير والتنوير ج ٤ ص ٢٢ للشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ٢٢٣، طبعة الحلبي سنة ١٣٧٢ سنة ١٩٥٤ م.
(٣) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ٢٣٥- بتصرف وتلخيص-.


الصفحة التالية
Icon