وقوله ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا جملة مستأنفة بمنزلة لتعليل لما قبلها.
واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى اختيار الواحدة أو التسرى.
وقوله أَدْنى هنا بمعنى أقرب. وهو قرب مجازى. أى أحق وأعون على أن لا تعولوا.
وقوله تَعُولُوا مأخوذ من العول وهو في الأصل الميل المحسوس.
يقال. عال الميزان عولا إذا مال. ثم نقل إلى الميل المعنوي وهو الجور والظلم ومنه عال الحاكم إذا جار، والمراد هنا الميل المحظور المقابل للعدل.
والمعنى: أن ما ذكر من اختيار الزوجة الواحدة والتسرى، أقرب بالنسبة إلى ما عداهما إلى العدل وإلى عدم الميل المحظور، لأن من اختار زوجة واحدة فقد انتفى عنه الميل والجور رأسا لانتفاء محله ومن تسرى فقد انتفى عنه خطر الجور والميل. أما من اختار عددا من الحرائر فالميل المحظور متوقع منه لتحقق المحل والخطر.
ولأن التعدد في الزوجات يعرض المكلف غالبا للجور وإن بذل جهده في العدل.
وهذا المعنى على تفسير (تعولوا) بمعنى تجوروا وتميلوا عن الحق. وهو اختيار أكثر المفسرين.
وقيل: إن معنى أَلَّا تَعُولُوا ألا تكثر عيالكم. يقال: عال يعول، إذا كثرت عياله. وقد حكى صاحب الكشاف هذا المعنى عن الإمام الشافعى فقال:
«والذي يحكى عن الشافعى- رحمه الله- أن فسر أَلَّا تَعُولُوا بأن لا تكثر عيالكم.
فوجهه أن يجعل من قولك: عال الرجل عياله يعولهم كقولهم: ما نهم يمونهم إذا أنفق عليهم. لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب.
ثم قال: وكلام مثله من أعلام العلم، وأئمة الشرع، ورءوس المجتهدين، حقيق بالحمل على الصحة والسداد.
وقرأ طاوس: أن لا تعيلوا من أعال الرجل إذا كثر عياله. وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعى من حيث المعنى الذي قصده» «١».
هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآية أحكاما منها: جواز تعدد الزوجات إلى أربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهن مجتمعات، لأن هذا العدد قد ذكر في مقام التوسعة على المخاطبين، ولو كانت تجوز الزيادة على هذا العدد لذكرها الله- تعالى-.