ومنها: أن هذا الصداق ملك لها، ومن حقها أن تتصرف فيه بما شاءت. ولم تفصل الآية بين أن تقبضه أولا. ولذا قال بعض الفقهاء. لها أن تبيع مهرها قبل أن تقبضه لأنه ملك بلا عوض وقال آخرون: ليس لها أن تبيعه حتى تقبضه لنهيه ﷺ عن بيع ما لم يقبض.
ومنها: أنه يجوز للمرأة أن تعطى زوجها- برضاها واختيارها- مهرها أو جزءا منه سواء أكان مقبوضا معينا أم كان في الذمة. فشمل ذلك الهبة والإبراء. وأنه ليس من حقها الرجوع فيما أعطت لأنها قد طابت نفسها بذلك. وهذا رأى جمهور العلماء. ويرى بعض العلماء أن من حقها الرجوع فيما أعطت.
قال الفخر الرازي: قال بعض العلماء: إن وهبت ثم طلبت بعد الهبة علم أنها لم تطب عنه نفسا. وعن الشعبي: أن امرأة جاءت مع زوجها إلى شريح القاضي في عطية أعطتها إياه.
وهي تطلب الرجوع. فقال شريح: رد عليها عطيتها. فقال الرجل: أليس قد قال الله- تعالى-: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ؟ فقال شريح: لو طابت نفسها لما رجعت فيه.
وعن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- أنه كتب إلى قضاته. أن النساء يعطين رغبة ورهبة. فأيما امرأة اعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها» «١».
ثم نهى- سبحانه- عن إيتاء الأموال للسفهاء، لدفع توهم إيجاب أن يؤتى كل مال لمالكه ولو كان سفيها فقال تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ٥]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥)
والسفهاء جمع سفيه. والسفه- كما يقول الراغب-: خفة في البدن، ومنه قيل: زمام سفيه أى كثير الاضطراب، وثوب سفيه رديء النسج، واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، ويكون في الأمور الدنيوية والأخروية، قال- تعالى- في السفه الدنيوي: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ وقال في السفه الأخروى وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً «٢».
(٢) المفردات في غريب القرآن ص ٣٥ للراغب الأصفهاني.