ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم. وكأن ينصحوهم بما يصلحهم ويبعدهم عن السفه وسوء التصرف.
وفي أمره- سبحانه- للمخاطبين بأن يقولوا لهؤلاء السفهاء قولا معروفا، بعد أمره لهم برزقهم وكسوتهم، إشعار بأن من الواجب عليهم أن يقدموا إليهم الرزق والكسوة مصحوبين بوجه طلق، وبقول جميل بعيد عن المن والأذى، فقد جرت عادة من تحت يده المال أن يستثقل إخراجه لمن سأله إياه.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: وجوب المحافظة على الأموال وعدم تضييعها.
قال صاحب الكشاف: وكان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن. ولأن أترك ما لا يحاسبني الله عليه، خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان- وكانت له بضاعة يقلبها-: لولاها لتمندل بي بنو العباس- أى لولاها لاتخذونى كالمنديل يسخروننى لمصالحهم-. وقيل لأبى الزناد: لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: لئن أدنتنى من الدنيا فقد صانتنى عنها.
وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في جنازة، فقالوا له: اذهب إلى دكانك» «١».
وقال بعض العلماء: ولنقف عند قوله- تعالى- وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً لنعلم ما يوحى به من تكافل الأمة ومسئولية بعضها عن بعض. ومن أن المال الذي في يد بعض الأفراد «قوام للجميع» ينتفعون به في المشروعات العامة، ويفرجون به أزماتهم وضائقاتهم الخاصة عن طريق الزكاة، وعن طريق التعاون وتبادل المنافع. وهذا هو الوضع المالى في نظر الشريعة الإسلامية، فليس لأحد أن يقول: مالي مالي. هو مالي وحدي لا ينتفع به سواي، ليس لأحد أن يقول هذا أو ذاك. فالمال مال الجميع، والمال مال الله، ينتفع به الجميع عن الطريق الذي شرعه الله في سد الحاجات ودفع الملمات. وهو ملك لصاحبه يتصرف فيه لا كما يشاء ويهوى بل كما رسم الله وبين في كتابه، حتى إذا ما أخل بذلك فأسرف وبذر أو ضن وقتر حجر عليه» «٢».
كذلك من الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: وجوب الحجر على السفهاء، لأن الله- تعالى- قد أمر بذلك. ووجوب إقامة الوصي والولي والكفيل على الأيتام الصغار ومن في حكمهم ممن لا يحسنون التصرف.
(٢) تفسير القرآن الكريم ص ١٩٠ لفضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت.