قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف نظم الكلام؟ قلت: ما بعد حَتَّى إلى قوله:
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ جعل غاية للابتلاء، وهي حَتَّى التي تقع بعدها الجمل. والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية، لأن إذا متضمنة معنى الشرط. وفعل الشرط بَلَغُوا النِّكاحَ وقوله فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ جملة من شرط وجزاء واقعة جوابا للشرط الأول الذي هو إذا بلغوا النكاح. فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم، فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم.
فإن قلت: فما معنى تنكير الرشد؟ قلت: معناه نوعا من الرشد وهو الرشد في التصرف والتجارة. أو طرفا من الرشد ومخيلة من مخايله حتى لا ينتظر به تمام الرشد» «١».
ثم نهى- سبحانه- الأوصياء وغيرهم عن الطمع في شيء من مال اليتامى فقال- تعالى-:
وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا.
أى: ادفعوا أيها الأولياء والأوصياء إلى اليتامى أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ، ولا تأكلوها مسرفين في الأكل ومبادرين بالأخذ خشية أن يكبروا، بأن تفرطوا في إنفاقها وتقولوا: ننفقها كما تريد قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا.
والإسراف في الأصل- كما يقول الآلوسى- تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح. وربما كان ذلك في الإفراط وربما كان في التقصير. غير أنه إذا كان في الإفراط منه يقال: أسرف يسرف إسرافا.
وإذا كان في التقصير يقال: سرف يسرف سرفا» «٢».
وقوله بِداراً مفاعلة من البدر وهو العجلة إلى الشيء والمسارعة إليه. وهما- أى قوله إِسْرافاً وَبِداراً منصوبان على الحال من الفاعل في قوله تَأْكُلُوها أى: ولا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم. أو منصوبان على أنهما مفعول لأجله، أى ولا تأكلوها لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم.
والمراد من هذه الجملة الكريمة بيان أشنع الأحوال التي تقع من الأوصياء أو الأولياء وهي أن يأكلوا أموال اليتامى بإسراف وتعجل مخافة أن يبلغ الأيتام رشدهم، فتؤخذ من أولئك الأوصياء تلك الأموال لترد إلى أصحابها وهم اليتامى بعد أن يبلغوا سن الرشد.
ثم بين- سبحانه- ما ينبغي على الوصي إن كان غنيا وما ينبغي له إن كان فقيرا فقال:
(٢) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٧٠١.