هذا الوقت يختلف باختلاف البلاد في الحرارة والبرودة، وباختلاف أمزجة أهل البلد الواحد في القوة والضعف، والصحة والمرض.
والمراد بإيناس الرشد: أن يتبين الأولياء من اليتامى الصلاح في العقل والخلق والتصرف في الأموال.
ويرى جمهور العلماء أن اليتيم لا يدفع إليه ماله مهما بلغت سنه ما لم يؤنس منه الرشد لأن الله- تعالى- يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً.
ويقول: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ومعنى ذلك أنه إذا لم يؤنس منهم الرشد لا تدفع إليهم أموالهم، بل يستمرون تحت ولاية الأولياء عليهم لأنهم لا يزالون سفهاء لم يتبين رشدهم.
وقد خالف الإمام أبو حنيفة جمهور الفقهاء فقال. لا يدفع إلى اليتيم ماله إذا بلغ ولم يؤنس منه الرشد حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإذا بلغها عاقلا ولو غير رشيد فليس لأحد عليه سبيل، ويجب أن يدفع الوصي إليه ماله ولو كان فاسقا أو مبذرا.
قالوا: وإنما اختار أبو حنيفة هذه السن لأن مدة بلوغ الذكر عنده ثماني عشرة سنة، فإذا زيد عليها سبع سنين- وهي مدة معتبرة في تغير أحوال الإنسان- فعند ذلك يدفع إليه ماله أونس منه الرشد أو لم يؤنس، لأن اسم الرشد واقع على العقل في الجملة، والله- تعالى- شرط رشدا منكرا ولم يشترط سائر ضروب الرشد، فاقتضى ظاهر الآية أنه لما حصل العقل فقد حصل ما هو الشرط المذكور في هذه الآية «١».
٣- كذلك أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة أن الوصي على اليتيم إذا كان غنيا فعليه أن يتحرى العفاف. وألا يأخذ شيئا من مال اليتيم، لأن أخذه مع غناه يتنافى مع العفاف الذي يجب أن يتحلى به الأوصياء، ويعتبر من باب الطمع في مال اليتيم.
أما إذا كان الوصي فقيرا فقد أذن الله له أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف أى بالقدر الذي تقتضيه حاجته الضرورية، ولا يستنكره الشرع ولا العقل.
وقد بسط الإمام الرازي القول في هذه المسألة فقال ما ملخصه: اختلف العلماء في أن الوصي هل له أن ينتفع بمال اليتيم أولا؟
فمنهم من يرى أن للوصي أن يأخذ من مال اليتيم بقدر أجر عمله لأن قوله- تعالى- وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً مشعر بأن له أن يأكل بقدر الحاجة. ولأن قوله- تعالى-