وللمفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة أقوال:
أولها: أن الآية الكريمة أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم مثل ما يحبون أن يفعل بذريتهم الضعاف بعد وفاتهم.
فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا..
إلخ.
يعنى بذلك الرجل يموت وله أولاد صغار ضعاف يخاف عليهم العيلة والضيعة، ويخاف بعده ألا يحسن إليهم من يليهم يقول: فإن ولى مثل ذريته ضعافا يتامى، فليحسن إليهم ولا يأكل أموالهم إسرافا وبدارا خشية أن يكبروا.. «١».
قال الآلوسى: «والآية الكريمة على هذا الوجه تكون مرتبطة بما قبلها، لأن قوله تعالى:
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ.. إلخ. في معنى الأمر للورثة. أى أعطوهم حقهم دفعا لأمر الجاهلية، وليحفظ الأوصياء ما أعطوه ويخافوا عليهم كما يخافون على أولادهم «٢»
.
وعلى هذا الوجه يكون المقصود من الآية الكريمة حض الأوصياء على المحافظة على أموال اليتامى بأبلغ تعبير، لأنه سبحانه قد نبههم بحال أنفسهم وذرياتهم من بعدهم ليتصوروها ويعرفوا مكان العبرة فيها، ولا شك أن ذلك من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود لأنه سبحانه كأنه يقول لهم: افعلوا باليتامى الفعل الذي تحبون أن يفعل مع ذرياتكم الضعاف من بعدكم، فجعل- سبحانه- من شعورهم بالحنان على ذرياتهم باعثا لهم على الحنان على أيتامهم.
هذا، ومن المفسرين الذين استحسنوا هذا القول الإمام ابن كثير، فقد قال بعد أن حكى هذا القول: وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما «٣».
أما القول الثاني: فيرى أصحابه أن الآية الكريمة أمر لمن حضر المريض من العواد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم فيوصوا المريض في أولاده خيرا ويشفقوا عليهم كما يشفقون على أولادهم.
وقد وضح هذا القول الإمام الرازي فقال: إن هذا خطاب مع الذين يجلسون عند المريض فيقولون له: إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا، فأوص بمالك لفلان وفلان. ولا يزالون

(١) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ٢٧٢. [.....]
(٢) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٢١٣.
(٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٥٦.


الصفحة التالية
Icon