قال صاحب الانتصاف: وإنما لجأ الزمخشري إلى تقدير تَرَكُوا بقوله شارفوا أن يتركوا لأن جوابه قوله خافُوا عَلَيْهِمْ والخوف عليهم إنما يكون قبل تركهم إياهم. وذلك في دار الدنيا. فقد دل على أن المراد بالترك الإشراف عليه ضرورة، وإلا لزم وقوع الجواب قبل الشرط وهو باطل. ونظيره فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أى.
شارفن بلوغ الأجل.
ثم قال: ولهذا المجاز في التعبير عن المشارفة على الترك بالترك سر بديع. وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة، ولا في الذب عن الذرية الضعاف. وهي الحالة التي وإن كانت من الدنيا، إلا أنها لقربها من الآخرة، ولصوقها بالمفارقة، صارت من حيزها، ومعبرا عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك «١».
وقوله ضِعافاً صفة لذرية. وفي وصف الذرية بذلك بعث على الترحم وحض على امتثال ما أمر الله به.
والفاء في قوله فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً لترتيب ما بعدها على ما قبلها. فقد رتب الأمر بالتقوى على الأمر بالخشية وإن كانا أمرين متقاربين لأن الأمر الأول لما عضد بالحجة- وهي الخوف على ذريتهم- اعتبر كالحاصل فصح التفريع عليه.
والمعنى: فليتقوا الله في كل شأن من شئونهم وفي أموال اليتامى فلا يعتدوا عليها. وليقولوا لغيرهم قولا عادلا قويما مصيبا للحق وبعيدا عن الباطل.
قال الآلوسى وقوله وَلْيَقُولُوا أى لليتامى أو للمريض أو لحاضري القسمة، أو ليقولوا في الوصية قَوْلًا سَدِيداً فيقول الوصي لليتيم ما يقول لولده من القول الجميل الهادي له إلى حسن الآداب ومحاسن الأفعال. ويقول عائد المريض للمريض: ما يذكره بالتوبة وحسن الظن بالله، وما يصده عن الإسراف في الوصية وتضييع الورثة. ويقول الوارث لحاضر القسمة:
ما يزيل وحشته أو يزيد مسرته. ويقول الموصى في إيصائه: ما لا يؤدى إلى تجاوز الثلث.
ثم قال، والسديد: المصيب العدل الموافق للشرع. يقال: سد قوله يسد- بالكسر- إذا صار سديدا والسداد- بالفتح- الاستقامة والصواب. وأما السداد- بالكسر- فهو ما يسد به الشيء» «٢».
قال بعض العلماء: وفي الآية الكريمة ما يبعث الناس كلهم على أن يغضبوا للحق من

(١) هامش تفسير الكشاف ج ١ ص ٤٧٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٢١٤. - بتصرف وتلخيص-.


الصفحة التالية
Icon