الظلم، وأن يأخذوا على أيدى أولياء السوء، وأن يحرسوا أموال اليتامى، ويبلغوا حقوق الضعفاء إليه، لأنهم إن أضاعوا ذلك يوشك أن يلحق أبناءهم وأموالهم مثل ذلك. وأن يأكل قويهم ضعيفهم فإن اعتياد السوء ينسى الناس شناعته، ويكسب النفوس ضراوة على عمله» «١».
ثم توعد سبحانه الذين يعتدون على حقوق اليتامى بأشد أنواع الوعيد فقال تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً استئناف مسوق لتقرير ما فصل من الأوامر والنواهي السابقة التي تتعلق بحقوق اليتامى.
قال الفخر الرازي: أعلم أنه- تعالى- أكد الوعد في أكل مال اليتيم ظلما، وقد كثر الوعيد في هذه الآيات مرة بعد أخرى على من يفعل ذلك كقوله وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وكقوله: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً.
ثم ذكر بعدها هذه الآية مفردة في وعيد من يأكل أموالهم، وذلك كله رحمة من الله تعالى باليتامى لأنهم لكمال ضعفهم وعجزهم استحقوا من الله مزيد العناية والكرامة. وما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته وكثرة عفوه وفضله لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى، بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى» «٢».
وقوله ظُلْماً أى يأكلونها على وجه الظلم سواء أكان الآكل من الورثة أم من أولياء السوء من غيرهم.
وقال سبحانه ظُلْماً لكمال التشنيع على الآكلين لأنهم يظلمون اليتامى الضعفاء الذين ليس في قدرتهم الدفاع عن أنفسهم.
أو أنه سبحانه قيد الأكل بحالة الظلم، للدلالة على أن مال اليتيم قد يؤكل ولكن لا على وجه الظلم بل على وجه الاستحقاق كما في حالة أخذ الولي الفقير أجرته من مال اليتيم
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ١٠٠.