والمنافقين، وعن الجهاد في سبيل الله. إلى غير ذلك من الموضوعات التي يكثر ورودها في القرآن المدني.
ومن هنا قال القرطبي: «ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها» «١».
٣- سورة النساء سميت بهذا الاسم لأن ما نزل منها في أحكام النساء أكثر مما نزل في غيرها.
وكثيرا ما يطلق عليها اسم «سورة النساء الكبرى» تمييزا لها عن سورة أخرى عرضت لبعض شئون النساء وهي «سورة الطلاق» التي كثيرا ما يطلق عليها اسم «سورة النساء الصغرى».
٤- ومن وجوه المناسبة بين هذه السورة وبين سورة آل عمران التي قبلها: أن سورة آل عمران اختتمت بالأمر بالتقوى في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وسورة النساء افتتحت بالأمر بالتقوى. قال- تعالى-:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ.
قال الآلوسى: «وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور. وهو نوع من أنواع البديع يسمى في الشعر: تشابه الأطراف. وقوم يسمونه بالتسبيغ. وذلك كقول ليلى الأخيلية:

إذا نزل الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة رواها
رواها فأرواها بشرب سجالها دماء رجال حيث نال حشاها «٢»
ومنها أن في سورة آل عمران تفصيلا لغزوة أحد. وفي سورة النساء حديث موجز عنها في قوله- تعالى-: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا.
وكما في قوله- تعالى-: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ.
ومنها: أن في كلتا السورتين محاجة لأهل الكتاب، وبيانا لأحوال المنافقين، وتفصيلا لأحكام القتال.
ومن أمعن نظره- كما يقول الآلوسى- وجد كثيرا مما ذكر في هذه السورة مفصلا لما ذكر فيما قبلها. فحينئذ يظهر مزيد الارتباط وغاية الاحتباك».
(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١. طبعة دار الكتب المصرية سنة ١٣٥٦ هـ. سنة ١٩٣٧ م.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ١٧٨.


الصفحة التالية
Icon