شهوة الانتقام، ومنها ما ترغب فيه النفوس بدافع المتعة والميل القلبي، ومنها ما ترغب فيه النفوس بدافع الطمع وحب التملك.
ثم أتبع- سبحانه- هذا النهى ببيان جانب من مظاهر فضله. حيث أباح لهم الصيد بعد الانتهاء من إحرامهم فقال: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا.
أى: وإذا خرجتم من إحرامكم أبيح لكم الصيد، وأبيح لكم أيضا كل ما كان مباحا لكم قبل الإحرام.
وإنما خص الصيد بالذكر، لأنهم كانوا يرغبون فيه كثيرا. كبيرهم وصغيرهم، وغنيهم وفقيرهم. والإشارة إلى أن الذي ينبغي الحرص عليه هو ما يعد قوتا تندفع به الحاجة فقط لا ما يكون من الكماليات ولا ما يكون إرضاء للشهوات.
والأمر في قوله: فَاصْطادُوا للإباحة، لأنه ليس من الواجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يصطاد. بل يباح له ذلك كما كان الشأن قبل الإحرام ومثله قوله- تعالى- فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ أى: أبيح لكم ذلك بعد الفراغ من الصلاة.
ثم نهى- سبحانه- المؤمنين على أن يحملهم البغض السابق لقوم لأنهم صدوهم عن المسجد الحرام على أن يمنعوهم من دخوله كما منعهم من دخوله أولئك القوم فقال- تعالى-:
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ لزيادة تقرير مضمونه.
ومعنى وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ ولا يحملنكم مأخوذ من جرمه على كذا إذا حمله عليه، أو معناه:
ولا يكسبنكم من جرم بمعنى كسب، غير أنه في كسب ما لا خير فيه ومنه الجريمة.
وأصل الجرم: قطع الثمرة من الشجرة، أطلق على الكسب، لأن الكاسب ينقطع لكسبه.
قال صاحب الكشاف: جرم يجرى مجرى «كسب» في تعديه إلى مفعول واحد واثنين.
تقول: جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا، نحو كسبته إياه. ويقال: أجرمته ذنبا، على نقل المتعدى إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين. كقولهم: أكسبته ذنبا» «١».
والشنآن: البغض الشديد. يقال: شنئت الرجل أشنؤه شنأ وشنأة وشنآنا إذا أبغضته بغضا شديدا.

(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٠٢


الصفحة التالية
Icon