والمراد هنا: إسالة الدم وفرى الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور.
والمعنى: وحرم عليكم- أيضا- الأكل مما افترسه السبع حتى مات سواء أكل منه أم لم يأكل، إلا ما أدركتموه من هذه الأنواع وقد بقيت فيه حياة يضطرب معها اضطراب المذبوح وذكيتموه أى ذبحتموه ذبحا شرعيا: فإنه في هذه الحالة يحل لكم الأكل منه. فقوله إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ الاستثناء هنا يرجع إلى هذه الأنواع الخمسة.
وقيل: إن الاستثناء هنا مختص بقوله: وَما أَكَلَ السَّبُعُ.
أى: وحرم عليكم ما أكل السبع بعضه فمات بسبب جرحه، إلا ما أدركتموه حيا فذكيتموه ذكاة شرعية فإنه في هذه الحالة يحل الأكل منه، والأول أولى، لأن هذه الأنواع الخمسة تشترك في أنها تعلقت بها أحوال قد تفضى بها إلى الهلاك، فإن هلكت بتلك الأحوال لم يبح أكلها لأنها حينئذ ميتة، وإذا أدركت بالذكاة في وقت تنفع فيه الذكاة لها جاز الأكل منها.
أما النوع العاشر من هذه المحرمات فيتجلى في قوله- تعالى- وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ والنصب: جمع نصاب: ككتب وكتاب. أو جمع نصب كسقف وسقف. ويصح أن يكون لفظ النصب واحدا وجمعه أنصاب مثل: طنب أطناب.
وعلى كل فهي حجارة كان الجاهليون ينصبونها حول الكعبة، وكان عددها ثلاثمائة وستين حجرا، وكانوا يذبحون عليها قرابينهم التي يتقربون بها إلى أصنامهم. ويعتبرون الذبح أكثر قربة إلى معبوداتهم متى تم على هذه النصب. وليست هذه النصب هي الأوثان، فإن النصب حجارة غير منقوشة بخلاف الأوثان فإنها حجارة مصورة منقوشة.
والمعنى: وحرم عليكم- سبحانه- أن تأكلوا مما ذبح على النصب لأنه لم يتقرب به إلى الله، وإنما تقرب به إلى الأصنام وما تقرب به إلى غير الله فهو فسق ورجس يجب البعد عنه.
هذه عشرة أنواع من المأكولان حرمت الآية الكريمة الأكل منها، لما اشتملت عليه من مضرة وأذى، ولما صاحب بعضها من تقرب لغير الله، ويكفى لتجنب الأكل من هذه المطعومات أن الله- تعالى- قد حرمها، لأنه سبحانه- لا يحرم إلا الخبائث. ومن شأن المؤمن الصادق في إيمانه أن يقف عند ما أحله الله- تعالى- وحرم.
ثم ذكر- سبحانه- نوعا من الأفعال المحرمة، بعد ذكره لعشرة أنواع من المطاعم المحرمة فقال: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ.
وإنما ذكر- سبحانه- هذا الفعل المحرم مع جملة المطاعم المحرمة، لأنه مما ابتدعه أهل الجاهلية كما ابتدعوا ما ابتدعوه في شأن المطاعم.


الصفحة التالية
Icon