وكلمة ذاتَ على هذا المعنى مفعول به.
ومنهم من يرى أن كلمة «ذات» بمعنى صاحبة، وأنها صفة لمفعول محذوف، فيكون المعنى: فاتقوا الله وأصلحوا أحوالا ذات بينكم.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «فإن قلت: ما حقيقة قوله: ذاتَ بَيْنِكُمْ.
قلت: أحوال بينكم، يعنى ما بينكم من الأحوال، حتى تكون أحوال ألفة ومودة واتفاق.
كقوله: بِذاتِ الصُّدُورِ وهي مضمراتها.
ولما كانت أحوال ملابسة للبين قيل لها: ذات البين، كقولهم: اسقني ذا إنائك، يريدون ما في الإناء من الشراب..»
«١».
وقوله وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ معطوف على ما قبله، وهو قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ.
أى: فاتقوا الله- أيها المؤمنون- في كل أقوالكم وأفعالكم، وأصلحوا ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة ومودة، وأطيعوا الله ورسوله في حكمه الذي قضاه في الأنفال وفي غيرها، من كل أمر ونهى، وقضاء وحكم...
وقد كرر- سبحانه- الاسم الجليل في هذه الآية ثلاث مرات، لتربية المهابة في القلوب، وتعليل الحكم حتى تقبله النفوس بإذعان وتسليم.
وذكر- سبحانه- رسوله معه مرتين في هذه الآية، لتعظيم شأنه، وإظهار شرفه، والإيذان بأن طاعته ﷺ طاعة لله- تعالى-، ومخالفته مخالفة لأمر الله- تعالى-.
قال- سبحانه-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ، وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً «٢».
ووسط- سبحانه- الأمر بإصلاح ذات البين بين الأمر بالتقوى والأمر بالطاعة، لإظهار كمال العناية بالإصلاح، وليندرج الأمر به بعينه تحت الأمر بالطاعة.
وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ متعلق بالأوامر الثلاثة السابقة، وهي: التقوى، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله ورسوله.
وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، أى: إن كنتم مؤمنين إيمانا حقا فامتثلوا هذه الأوامر الثلاثة السابقة.

(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٩٥.
(٢) سورة النساء الآية ٨٠.


الصفحة التالية
Icon