وذهب الإمام أبو حنيفة وكثير من المتكلمين إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، واختاره إمام الحرمين، محتجين بأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان، وذلك لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان فالمصدق إذا أتى بالطاعات أو ارتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلا، وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة.
وذهب جماعة منهم الإمام الرازي إلى أن الخلاف في زيادة الإيمان ونقصانه وعدمهما لفظي، وهو فرع تفسير الإيمان، فمن فسره بالتصديق قال: إنه لا يزيد ولا ينقص، ومن فسره بالأعمال مع التصديق قال: إنه يزيد وينقص، وعلى هذا قول البخاري «لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وهو المعنى بما روى عن ابن عمر أنه قال. قلنا يا رسول الله إن الإيمان يزيد وينقص، قال، نعم، يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة، وينقص حتى يدخل صاحبه النار «١».
ويبدو لنا أن رأى جمهور العلماء في هذه المسألة، أولى بالقبول لأنه من الواضح أن إيمان الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- أرسخ وأقوى من إيمان آحاد الناس، ولأنه كلما تكاثرت الأدلة كان الإيمان أشد رسوخا في النفس وأعمق أثرا في القلب، فلا تزلزله الشبهات ولا تزعزعه العوارض والفتن.
ومن أوضح الأدلة على أن الإيمان يقوى بقوة البرهان إلى درجة الاطمئنان، ما حكاه الله- تعالى- عن إبراهيم في قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى، وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «٢».
فهذه الآية تدل دلالة واضحة على أن مقام الطمأنينة في الإيمان، يزيد على ما دونه من الإيمان المطلق قوة وكمالا. إن إبراهيم- عليه السلام- لا شك أنه كان مؤمنا عند ما سأل ربه هذا السؤال، سأله ذلك لينتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة أعلى: وهي مرتبة عين اليقين...
هذا، وشبيه بهذه الآية في الدلالة على قبول الإيمان للزيادة والنقصان قوله- تعالى-:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً.. «٣».

(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص
(٢) سورة البقرة الآية ٢٦٠.
(٣) سورة آل عمران الآية ١٧٣.


الصفحة التالية
Icon